موضوع: المقامة الطبية للدكتور عبد السلام العجيلي الإثنين نوفمبر 08, 2010 5:40 pm
المقامة الطبية للدكتور عبد السلام العجيلي
حدثنا عبد السلام بن محب قال كنت في معهد الطب أدرس الأمراض و أسرارها و الجراثيم و أضرارها و الطفيليات و أخبارها على يد الأستاذ الذي شاع ذكره في العالمين أي شيوع و سطع علمه أبهى سطوع الدكتور جبرائيل بن بختيشوع و بينما نحن في درس من دروس ذلك النطاسي العلامة و الفطحل الفهامة إذ دخل علينا فتى مصاب بمختلف العلل و الأوصاب من حدبة في ظهره وسلعة في صدره و قرحة في جذموره و انصباب في تاموره قد برز لفرط الهزال ظنبوبه و تغنغر عرقوبه و أصابه بعد النحول قحول و بعد الفلوج شلول فلما وقع نظر الأستاذ عليه أفرغ ليترا من الكحول في يديه و خطا خطوتين الى الوراء و ثبت نظارته فوق عينيه على السواء ثم أخرج صوته من أنفه خنا فبدا باسم الله و بسقراط ثنى و صاح فيه من تكون ........ أيها المأفون؟ فعطس المريض عطسته قدت من أضلاعه عشرا و زفر زفرة أحالت الجليد جمرا و قال :
ما بين مختبر التشريح و النـسـج أنا القتيل بلا إثم ولا حرج ما زلت في مبحث الأعصاب أدرسها ما بين منعكس منها و منعرج و في الظنابيب أنساها و أحفظها لا بارك الله في الظنبوب من سمج حتى بليت بداء لا دواء له بالخلب و الألب و التنواء و الخمج أودى شبابي لم أشعر بلذته و لا تنشقت منه طيب الأرج
فثار من الأستاذ ثائره و علا ناثره و قال خل عنك القريض فما أنت بشعر هنا بل مريض قال ما الذي تشكو منه و كيف بدا جسمك و كيف أمسى و كيف غدا و ما هي سوابقك الإرثية في التكوين و كيف صحة جدك التاسع و التسعين و هل مات خال عم أمك أم لا يزال حيا و كيف كان يأكل اللحم كبابا أم شيا و أخبرني عن خالتك الراهنة أصحيحة معدتها أم واهنة و هل يجئ نفسك و يعود و أخيرا كم في جيبك من النقود فارتفع صوت المريض بالعويل و قال ما أنا بالغريب عنكم بل زميل أنا الذي أذابت دماغه المداواة و الأمراض و قرحت فؤاده القلويات و الأحماض و عششت في عقله كل الجراثيم و ضحى أيامه على مذبح الغين و الميم فأعفوني من السؤال و الاستجواب و الاستطباب و مضاد الاستطباب فقد استفحل الداء و عز الدواء و سقطت النواجذ و الأرحاء فالتفت الأستاذ إلينا و قال انعموا بهذا المريض عينا دونكم إياه فاقرعوه و اسمعوه و جسوه و مسوه فاندفعنا إليه كالسيل و هو ينادي بالثبور و الويل فنزعنا عنه أثماله و جسسنا كبده و طحاله و شددناه و مططناه و أفرجنا عنه و مططناه و قرعنا صدره فإذا أضلاعه كأصابع البيان تهتز بمختلف النغمات و الألحان و عضلات كالأوتار تدق أنواع البشارق و الأدوار و قلب يركض خببا و يدق عجبا و يصيح و حربا فلما فحصناه مرات و مرات و أيقنا بأنه لم يصبح بعد بالأموات فتح الأستاذ جرابه و أخرج كتابه و استشار دليل الطبيب فيمن ينجع فيه الدواء و من يخيب و بعد تصفح و تقليب و ترجيع و تطريب التفت الينا و قال ياله من داء عضال أعطوا هذا المسكين دواء يزيد ضره و يقصف عمره و يكفي الناس والطب شره أكتبوا له قيراطا من السم الهاري و الفصفور الناري و خشكانة من زرنيخ لا يقول بعدها أخا و لا إيخ و ليأخذ من هذا الدواء جرعة قبل الموت و جرعة بعده و أنا ضمين بأن يبلغ الليل لحده فأخذ المريض الوصفة و خرج مذعورا لا جزاء و لا شكورا فصحنا به يا هذا إن عبرت الصراط فبلغ جالينوس و أبقراط و سلم على الحارث بن كلده و كل طبيب هناك أو عليم فصاح بنا ليس طريقي على الجحيم فأسرع خائفا منا و كأن وراء ظهره جنا حتى غبنا عن عينيه و غاب عنا