(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأسأل الله الذي جمعنا وإياكم في هذا المسجد أن يجمعنا وإياكم في هذه الحياة على الإيمان ثم يجمعنا بكم أخرى سرمدية أبدية في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر أيها الأخوة في الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وأن نقدم لأنفسنا أعمالا صالحة تبيض وجوهنا يوم نلقى الله عز وجل (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)
الأمر جد وهو غير مزاح *** فاعمل لنفسك صالحا يا صاح
كيف البقاء مع اختلاف طبائع *** وقرور ليل دائما وصباح
تجري بنا الدنيا على خطر *** كما تجري عليه سفينة الملاح
تجري بنا في لج بحر ما له *** من ساحل أبدا ولا ضحضاح
فاقضوا مآربكم عجالا إنما *** أعماركم سفرا من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا *** أن تسترد فإنهن عوار.
في الصحيح عن [أبي ذر] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أَطَّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو راكع والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا و لما تلذذتم تط بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله" وفي رواية [المنذر]" ولحثوتم على رؤوسكم التراب " يوم روي هذا الحديث [أبو ذر] رضي الله عنه بكى وأبكى وقال وددت والله أني شجرة تعضد. ويقول [عبد الله بن عمرو بن العاص] والله لو تعلمون حق العلم ما تلذذتم بلذيذة ولقام أحدكم بين يدي ربه حتى ينكسر صلبه ولصاح حتى ينقطع صوته فلا إله إلا الله .
الموت آت والنفوس نفائس *** والمستغر بما لديه الأحمق
الموت باب وكل الناس سيدخلون من هذا الباب وما من باب إلا و بعده دار .
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيها
الموت باب وكل الناس داخله *** يا ليت شعري بعد الموت ما الدار
الدار دار نعيم إن عملت بما *** يرضي الإله وأن فرطت فالنار
فلا إله إلا الله كتب الموت على كل شيء واختص نفسه سبحانه بالبقاء كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. في صحيح [البخاري] من حديث [أبي سعيد] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني قدموني وإن كانت غير ذلك صاحت بصرخات تقض المضاجع يا ويلها أين تذهبون بها لما ترى من العذاب فيسمع صوتها كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن " وتفزع البهائم فزعاً يلاحظه من يتابع سير البهائم بلا سبب فلعل ذلك مما تسمعه ولا نسمعه نحن من صرخات المفرطين التي تقض المضاجع أما والله لو حملنا جنازة من الجنائز ثم سمعنا تلك الصرخات يا ويلها أين تذهبون بها لصعقنا ولا ما تدافنا ولا ما حملنا جنازة أبداً ولقد خشي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا كما في الصحيح يوم يقول" والله لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع " وهاهو صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث [البراء] يرى أناساً مجتمعين فيسأل عن سبب اجتماعهم فقيل على قبر يحفرونه على ذاك المصير الذي لابد لكل واحد منا أن يسكنه كبر أم صغر عز أم ذل فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً مسرعاً حتى انتهى إلى القبر فجثى على ركبتيه ثم بكى طويلا ثم رفع رأسه فإذا دموعه تتحجر على لحيته فقال" أي إخواني لمثل هذا فأعدوا أي إخواني لمثل هذا فأعدوا."
إلى كم ذا التراخي والتمادي *** وحادي الموت بالأرواح حادي
فلو كنا جماد لاتعظنا *** ولكن أشد من الجماد
تنادينا المنية كل وقت *** وما نصغ إلى قول المنادي
وأنفاس النفوس إلى انتقاص *** ولكن الذنوب إلى ازدياد
إذا ما الزرع قارنه اصفرار *** فليس دواءه غير الحصاد
كأنك بالمشيب وقد تبدى *** وبالأخرى مناديها ينادي
وقالوا قد قضى فقر *** عليه سلامكم إلى يوم التناد
أحبتي في الله .. لماذا خلقنا ومن أين وإلى أين ما الهدف؟ ما الغاية؟ ما الحكمة من هذا الخلق؟ إن لكل شئ حكمة وضعها الله عز وجل عرفها من عرفها وجهلها من جهلها الشمس من حكمها أنها تضئ للبشر والمطر ينبت الأرض والحيوانات لتركب ولتأكل وزينة ويخلق ما لا تعلمون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس كل شئ في الوجود لحكمة من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة فما الحكمة من خلقك أيها الإنسان ما الحكمة من خلقك أيها الإنسان ألتذبح الحيوانات لتأكلها؟ ألتبس أبهى اللباس ؟ألتسكن أحسن الدور والقصور؟ ألتنكح أجمل الزوجات لتتمتع بهن؟ ألتنام على الوثير ولتتنعم ألتركب أفخم السيارات ؟لا والذي رفع السماء بلا عمد ما خُلِقْنَا إلا لعبادة الله الواحد الأحد القائل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) والقائل سبحانه (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) جعل الله لنا طريقا مستقيما فقال سبحانه (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) ليس هذا فحسب بل أرسل إلينا رسولا هو خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم صاحب اللواء يوم العرش وأول من تنشق عنه الأرض فجاء صلى الله عليه وسلم بأعظم معجزة بأعظم معجزة عرفتها الأمم ألا وهي القرآن من استنار بنوره قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار من التمس الهداية فيه هداه الله ومن التمس الهدي في غيره أضله الله وأهانه الله ومن يهن الله فما له من مكرم فما حالنا مع هذا القرآن وما حال أبنائنا مع هذا القرآن مع كلام الله جل وعلا هل علمناه أبناءنا هل دفعناهم إلى المساجد ليتعلموا كلام رب العزة والجلال إن كنا كذلك فأبشروا بالعزة والنصر في الحياة ،والسعادة يوم تلقون الله عز وجل وإن كنا غير ذلك فإن من جعله خلف ظهره ساقه إلى النار نسأل الله العافية من النار ومن دار القرار. جاء صلى الله عليه وسلم بالقرآن ليقطع الطريق على كل مبتدع وكذاب وأفاك ومدع للنبوة . صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده فخلد الله دعوته وخلد الله رسالته وجاء المدعون للنبوة في عهده ومن بعده فما جعل الله لدعوتهم أثر لأنها دعوة باطل والباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة جاء المدعون للنبوة من بعد فاندحروا بالقرآن جاء [مسيلمة] فبما لقب ، لقب بالكذاب وإلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وجاء [الأسود العنسي] فباد هؤلاء وسادت رسالته صلى الله عليه وسلم بالحق فما على وجه الأرض أحد يقول أشهد أن مسيلمة رسول الله لكن على وجه الأرض ألف مليون مسلم في الجملة كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل فوق ذلك أجرى أحد العلماء دراسة على خطوط الطول والعرض على الأرض فأثبت أن ما من دقيقة تمر الآن إلا ومئذنة على وجه الأرض يسمع عليها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فلا إله إلا الله أيد الله رسوله بالقرآن وبما يزيد على مئات المعجزات الظاهرات القاهرات ها هو [ الإمام أحمد] في مسنده يروي" أن راعياً خرج بغنمه إلى الفلاة في يوم من الأيام وجاء ذئب فعدى على شاة فانقض عليه الراعي فأمسك بالشاة وأخذها من فم الذئب فما كان من الذئب إلا أن تأخر وأقعى على ذنبه وتكلم كلام الإنس وقال أما تتقي الله تأخذ رزقاً ساقه الله إلىّ فقال الراعي يا عجبي ذئب يتكلم قال الذئب وأعجب من ذلك محمد بشر يخبرك بأنباء من سبق فما كان من هذا الرعي إلا أن أخذ غنمه وانطلق بها إلى مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ليدخل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويخبره الخبر فينادي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة لاجتماع الناس فيجتمع الناس فيقول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس" ولقد كلمت السباع الإنس على عهد محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي قال بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه صلى الله عليه وسلم فماذا يقول من كان بعده بأربعة عشر قرنا نسأل الله أن يحسن الحال ، ليس هذا فحسب ، روى [البخاري] [ومسلم] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن أهل مكة سألوه آية على قدرة الله عز وجل ليؤمنوا كما ادعوا فسأل ربه آية فانفلق القمر فلقتين فلقة على جبل وفلقة على جبل آخر فقالوا سحر أعيننا محمد واستكبروا وصدوا وندوا وقال المنصف منهم نذهب إلى أهل البوادي فنسألهم هل رأوا ما رأينا فذهبوا إلى البادية وسألوهم قالوا إي والله قد انفلق فلقتين في تلك الليلة فقالوا مصدين ومعرضين سحر عم البادية والحاضرة" فأنزل الله (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) وهاهو صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم لا يمر على شجرة قبل أن يبعث إلا وقالت السلام عليك يا رسول الله ولا يمر على حجر إلى قال السلام عليك يا رسول الله جماد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر صدوا وندوا عنه صلى الله عليه وسلم ولذا يقول صلى الله عليه وسلم بعد أن أصبح <بالمدينة>" والله إني لأعرف حجراً <بمكة> كان يسلم علي قبل أن أُبعث" ليس هذا فحسب روى [مسلم] عن [جابر بن عبد الله] رضى الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما من الأيام في فلاة ليقضي حاجته قال فتبعته بماءٍ له قال وإذ به يأتي إلى واد على شاطئيه شجرتان قال فلم يجد ما يستتر به فذهب إلى إحدى الشجر وأمسك بأغصانها وقال انقادي بإذن الله قال فوالله لقد انقادت وراءه كما ينقاد البعير المغشوش الذي في أنفه رباط يسحب به ثم ذهب إلى الثانية ثم وضع يده عليها وقال انقادي بإذن الله فانقادت معه حتى جاءت وأصبح بينها فقال التئما عليَّ بإذن الله فالتأما عليه حتى لا يرى صلى الله عليه وسلم وهو يقضي حاجته قال ثم ذهبت مولياً لئلا يبتعد المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا رآني وإذا به ينتهي من قضاء حاجته ثم يقول للشجرة الأولى ارجعي قال فترجع بأمر الله إلى مكانها وترجع الثانية إلى مكانها" آيات ومعجزات ظاهرات بينات لكن يا أيها الأحبة صدق قوم بذلك وآمنوا فأطاعوا الله ورسوله فكان لهم ما قاله الله جل وعلا (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً)
وصنف آخر كذب وصد واستكبر بعقل جامد وقلب فارغ ساه لاه لا يفقه عين لا تبصر أذن لا تسمع بهيمة في مسلاخ بشر عصى الله وتعدى حدوده فكان له ما قال الله جل وعلا (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين)
ها أنت أخي الحبيب رأيت صنفين لا ثالث لهما وسمعت بغاديين لا ثالث لهما غاد غدى لإعتاق نفسه من النار فهو الفائز أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يغدو ويروح في طاعة الله جل وعلا وغاد آخر غدى ليوبق نفسه ويهلكها بالفسق والفجور فهو الخاسر فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها حدد موقعك واعرف مصيرك فأنت أحد غاديين لا محالة فغاد يغدو من بيته ليهلك نفسه بالإشراك بالله إن تكلم فلا تسمع منه إلا نتن الألفاظ الشِرْكِيَّة تفوح من فمه وتغدو وتروح ، مِن هذه الألفاظ استعانته بالجن يقول خذوه وافعلوا به واركبوه مع أنه قد كان قبلها قليلا يردد في صلاته (إياك نعبد وإياك نستعين) فأين العبادة وأين الاستعانة بالله عز وجل أن أصيب بمصيبة ليرفع الله درجته في حبيب له مرض أو في قريب له مرض أو في نفسه هو لم يذهب ولم يلجأ إلى الله ويطلب الأسباب الشرعية- بل يذهب إلى السحرة ويذهب إلى الكهنة ويذهب إلى الدجالين أو المشعوذين فيبيع دينه ودنياه ناسياً قول الله جل وعلا (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) وينسى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" يغدو فيحلف بكل شئ إلا بالله الذي لا إله إلا هو ، بالطلاق يحلف وبالحرام يحلف وبالذمة يحلف وبالحياة يحلف وبالنبي يحلف لكنه لا يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ناسيا قوله صلى الله عليه وسلم "من كان حالفاً فليلحف بالله أو ليصمت" "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" "ومن حُلِفَ له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله" هو كما في الصحيح رجل من بني إسرائيل احتاج إلى مائة دينار ، فذهب إلي رجل آخر وقال له أريد أن تقرضني مائة دينار قال هل لك من شهيد قال والله ما لي من شهيد إلا الله قال فكفى بالله شهيداً، قال هل لك من كفيل قال ما لي من كفيل إلا الله قال كفى بالله كفيلاً ، أعطاه المائة دينار فرضى بالله كفيلاً وشاهداً وما كان من هذا الرجل إلا أن تواعد هو وإياه على أن يلتقيا بعد مدة معلومة أخذ المائة الدينار وانتقل إلى بلده وذهب إلى بلده وعبر البحر إلى بلده وكان بلده في الشاطئ الثاني وجمع المائة الدينار يريد أن يفي بوعده جزاء لما أقرضه وجاء إلى البحر ينتظر سفينة لعلها توصله فلم يجد سفينة من السفن ولم يجد مركباً من المراكب ويريد أن يوصلها في وقتها فماذا فعل أخذ عوداً من الحطب ثم حفره ثم وضع المائة الدينار ثم أغلقه ثم رفع يديه إلى الله سبحانه وتعالى وقال اللهم يارب إني استقرضته فأقرضني ورضي بك كفيلا ورضي بك شاهداً ولم أجد ما أوصل له هذه الدراهم اللهم فبلغه هذه الدراهم والدنانير ثم رمى بها في البحر وتأتي رياح الله عز وجل تسوقها إلى الشاطئ الثاني ذاك ينتظر آية من مجيء هذه الدراهم وآية من مجيء الرجل وظن أنه قد غدر به فكان يقول حسبي الله ونعم الوكيل وإذ بهذه الخشبة على الأمواج تأتي إلى طرف البحر قال إذاً آخذ هذا العود من خشب لعلي أرجع به لنحتطبه ولأشعل به ناراً خير من أن أرجع بلا شيء. أخذه وذهب إلى بيته وجاء ليكسر العود وإذ بهذه المائة الدينار في وسطه فقال لا إله إلا الله من رضي بالله كفاه الله فهل رضينا بالله جل وعلا ، وذاك غاد آخر يغدو لإعتاق نفسه إن تكلم فبذكر الله وإن استعان استعان بالله وإن سأل فبالله وإن أصيب بمصيبة لجأ إلى الله ثم طلب الأسباب الشرعية لا الأسباب الشركية إن حَلَفَ فبالله ، وإن حُلِفَ له بالله رضي فهو غاد في حفظ الله وعائد في عناية الله فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
وغاد آخر يغدو فيقدم مراد الله عز وجل على شهواته وعاداته ويقدم مراد الله وأوامر الله على لذاته وعاداته وتقاليده فالحكم حكم الله والأمر أمر الله والنهي نهي الله والسعادة لا تكون إلا من الله ووالله لن يسعد إنسان حتى يقدم أوامر الله على كل هوى في نفسه وعلى كل حكم وعلى كل أمر وعلى كل نهي عند ذلك يكون له الأجر العظيم والخير العظيم من الله ، في الأثر إن الله عز وجل يقول "وعزتي وجلالي ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه وجمعت له ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين عينه واستجرت له من وراء كل هذا" وآخر يقدم ويغدو فيقدم شهوات نفسه ولذائذها وعاداتها وتقاليدها على مراد الله جل وعلا فتجده يعبد هواه ما وافق عادته وشهوته وهواه فهو الحق في رأيه فيعمل به وما خالفها فهو الباطل فيعرض عنه حتى لو كان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) يريد الدين موافقا لشهواته يريد الدين موافقاً لرغباته يريد أن يخضع له كل شئ فيقبل أي حكم ويرفض أي حكم ما دام أنه لا يتفق مع شهوته (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (فأولئك هم الفاسقون) (فأولئك هم الظالمون) في الأثر أن الله عز وجل يقول: "وعزتي وجلالي ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كَثَّرت همومه وفرقت عليه ضيعته ونزعت الغنى من قلبه وجعلت الفقر بين عينيه ثم لا أبالي في أي أودية النار هلك" فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها،
وغاد أخر يغدو فيترك الصلاة ويتبع الشهوات فيوبق نفسه كأنه لم يسمع قول رب العزة والجلال (فخلف من بعدهم خلق أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) كأنه لم يسمع قول الله (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) كأنه لم يسمع الذين لم يصلوا يوم أصبحوا في النار يوم يقول الله لهم (ما سلككم في صقر قالوا لم نك من المصلين) الصلاة ركن هام وفرض فرضه الله لأهميته من فوق سبع سماوات أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السماوات العلا لتفرض عليه من فوق سبع سماوات أمانة عظيمة ويل لمن ضيعها من تركها فقد كفر بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم يقول "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر" ويترتب على ذلك ألا يزوج لأنه كافر وإن كان متزوجاً بطل نكاحه ، لا يغسل إذا مات ، ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث ولا يجوز الاستغفار له بعد موته لا يجوز أن نقول اللهم ارحمه اللهم اغفر له لأن الله يقول (ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) وأسأل الله ألا يكون فينا من يترك الصلاة يترك الصلة بينه وبين ربه لكن قد نجد فينا الكسول الذي لا يصليها مع المسلمين وإنما يصليها في بيته نقول لهذا قد فَوَّتَّ على نفسك أجراً عظيماً وارتكبت إثماً مبينا إن رب العزة والجلال يقول (واركعوا ما الراكعين ) وهو القائل ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ).
تقول [عائشة] رضى الله عنها وهى تصف هيئة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته تقول كان يكون في خدمة أهله يخصف نعله ويعجن العجين أحياناً صلى الله عليه وسلم فإذا سمع الله أكبر فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه سمع نداء الله فلبى نداء الله صلى الله عليه وسلم هو القائل صلى الله عليه وسلم في رؤياه ورؤيا الأنبياء حق ووحي كما روى [البخاري] عن [سمرة بن جندب] يقول "أتاني الليلة آتيان فانطلقا بي حتى جئنا على رجل مضطجع ممدود وآخر قائم عليه بصخرة يسلب رأسه فينشدق رأسه ويتدهده الحجر قال ثم يصح رأسه فيعود كما كان ثم يفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى قال صلى الله عليه وسلم فقلت ما هذا قالوا هذا لرجل يقرأ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة" لا إله إلا الله أي جسد يطيق مثل هذا العذاب وَرُوِيَ كما أخرج [الحاكم] عن [ابن عباس] "ثلاثة لعنهم الله رجل أم قوما هم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجل سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجبه" يقول [أبو هريرة] رضي الله عنه وأرضاه :لئن تمتلئ أذنا ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجبه ويقول صلى الله عليه وسلم " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب لأحرق عليهم بيوتهم بالنار" وفي رواية "ولولا ما فيها من النساء والذرية لفعلت ذلك" أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
هذا غاد أما آخر فيغدو إلى المسجد ليصلي مع جماعة المسلمين فيعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح ما خطا خطوة إلا كُتِبَ له بها حسنة ولا رفع أخرى إلا وَرُفِعَ عنه سيئة ، ما جلس من مجلس إلا وملك موكل به يقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى تقام الصلاة فما بالك إذا كان يقرأ القرآن ها هو [ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير] يقول أبناؤه: كان كثيراً ما يقول اللهم إني أسألك الميتة الحسنة قالوا وما الميتة الحسنة يا أبتاه قال أن يتوفاني الله وأنا ساجد وتحل به سكرات الموت قبل صلاة المغرب ويسمع نداء الله أكبر الله أكبر حي على الصلاة حي على الفلاح فماذا كان منه قال أقعدوني واحملوني إلى المسجد قالوا عذرك الله ،مريض في سكرات الموت قال لا أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لا أجيب فحملوه على أكتافهم وأوصلوه إلى المسجد فصلى معهم صلاة المغرب حتى الركعة الأخير فسجد فكانت السجدة الأخيرة (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وهاهو [حاتم الأصم] عليه رحمة الله فاتته صلاة العصر يوما من الأيام جماعة مع المسلمين فذهب أهل المسجد يعزونه في جماعة فاتته كانوا يعزي بعضهم بعضا إذا فاتته جماعة دخلوا عليه في بيته وهم قلة فعزوه فبكى قالوا ما يبكيك قال أبكي لأنها فاتتني جماعة فعزاني بعض أهل المدينة ووالله لو مات أحد أبنائي لعزاني أهل <المدينة> كلهم ووالله لموت أبنائي جميعاً أهون على من فوات هذه الجماعة هكذا كان سلفنا الكرام [سعيد بن المسيب] في سكرات الموت بنياته الصغار حواليه يبكين فيقول لهن أَحْسِنَّ الظن بالله فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في المسجد ستين سنة هكذا كانوا أيها الأحبة فأي الغاديين أنت وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
وذاك غاد يغدو لإهلاك نفسه فيسلط لسانه ويسلط سنانه ويسلط قلمه في النيل من المسلمين بالسخرية بهم والاستهزاء بدين الله والاستهزاء بعباد الله والاستهزاء بشعائر الله ليرتكب أعظم جريمة ألا وهي الدعوة إلى الظلام فيكون عليه وزره ووزر من أضله إلي يوم القيامة وفوق ذلك يبوء بالكفر الذي يقوده إلى النار. في غزوة تبوك يوم اتجه المسلمون مع قائدهم صلى الله عليه وسلم إلى تبوك من <المدينة> حوالي ألف كيلو في صحار في وقت حار بلغ بهم الجهد مبلغه حتى أن أحدهم في ليلة من الليالي قام يبول فسمع صوت جلد تحت بوله فما كان إلا أن نفضه من البول ثم أشعل النار ووضعه فيها وأكله من شدة ما يلاقي من الجوع وتأتي ثلة منهم ليسخروا برسول الله وبأصحابه فيقلون ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أجبن عند اللقاء يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويأتي الكلام من الله عز وجل إلى رسوله ويسري الخبر بينهم فيلحقون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقولون (إنما كنا نخوض ونلعب) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم بكلام الله (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم من بعد إيمانكم) ، يغدو أحدهم فيكتب كلاماً يسب فيه الإله سبحانه وتعالى يقول
لم يبق من كتب السماء كتاب *** مات الإله وعاشت الأنصاب
جل الله سبحانه تعالى ثم يستهزئ ثم يسخر ويظن أنه لن يقف بين يدي الله جل وعلا لكن
إذا عير الطائي بالبخل ما در *** وعير قسا بالفهاهة باقل
وقال السها للشمس أنت كثيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة كئيبة *** ثم يا نفس جدي إن دهرك هازل
آخر يغدو ليعتق نفسه فيدعو الناس إلى توحيد الله ويدعو الناس إلى ما فيه الخير بقلمه وبلسانه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لأنه من أمة الأمر والنهي وأنتم يا أهل هذه القرية البعيدة عن صخب المدينة وعما يحدث في المدنية من الفساد إنكم لتغبطون على قريتكم هذه بين هذه الجبال وإنكم لتغبطون على مثل هذا الاجتماع فالله الله لا تسكتوا على منكر الله الله سلطوا ألسنتكم في الأمر بالمعروف كونوا جبهة ضد كل مفسد فوالله ما يمكن أن تسعد هذه البلدة ولا تسعد أي بلدة في بلاد الدنيا إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بـ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم فلنأمر في بيوتنا ولنأمر في شوارعنا ولننهى عن المنكر أياً كان المنكر لأن الله عز وجل رتب النجاة للذين ينهون عن السوء (وأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس) يوم تأمر بالمعروف ويوم تنهى عن المنكر فيستجيب لك واحد يكون لك مثل أجره لا ينقص من أجره شئ ثم إن الله يهدي بك الضال فيكون لك من الأجور الشيء الكثير "لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" أتريد رحمة الله يا عبد الله اسمع ماذا قال الله (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله) أسأل الله أن يرحمنا وإياكم برحمته فأي الغاديين أنت وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
وذاك غاد في دنياه ويصاب بمصيبة فيوبق نفسه ويهلكها فيتسخط من قضاء الله وقدره ويعترض على قدر الله ما علم أن المصائب ترفع الدرجات لمن احتسبها عند الله سبحانه وتعالى وما علم أن الله مع الصابرين يصاب في دنياه فيكسر دينه
وكل كسر لعل الله جابره *** وما لكسر قناة الدين جبران
يقول عند الصدمة الأولى يوم يصاب في حبيب أو قريب أو في نفسه لما يا رب يعترض على قضاء الله ويعترض على قدر الله يشق الجيب ويلطم الخد ويدعو بالويل ويدعو بالثبور يدعو بعظائم الأمور على نفسه والملائكة في تلك اللحظة تقول آمين آمين فالمصيبة مصيبتان لا هو احتسب هذه وإنما أصبحت مصيبته بفقد حبيبه ومصيبته الأخرى بضياع الأجر في تلك اللحظة والمحروم من حرم الثواب وأنا أسأل سؤالاً يا أيها الأحبة هل سيعود ميت إن مات والله ما سمعنا أن ميتا مات فعاد لكنه ذهب ونحن على الأثر إن للموت أخذة تسبق اللمح بالبصر هاهو أحد السلف شاب من شباب السلف كانت له زوجة صالحة وكان له أولاد ثم حلت به سكرات الموت التي لابد أن يعاني كل واحد منا هذه السكرات ونسأل الله أن يهونها علينا وعلى كل مسلم في تلك اللحظات التي يذعن فيها الإنسان ويخضع ويذل لله عز وجل أياً كان هذا الرجل مات فوجدت عليه زوجته وجداً عظيماً ووجد عليه أولاده وحزنوا حزناً عظيماً فأقسمت زوجته لتبكين عليه عاماً كاملاً وهذا ليس من عمل الإسلام هذا جذع وهذا تسخط وهذا اعتراض على قضاء الله وقدره فأخذت أولادها وأخذت خيمة لها وذهبت ونصبتها عند قبره وبقيت عاماً كاملا تبكي وأولاده الصغار حول قبره ما خرج إليهم فكلمهم بكلمة ما خرج إلى زوجته وقال أحسنت أو قال اذهبي ووالله لو خرج لقال لا إله إلا الله أو الحمد لله أو سبحان الله لأنه لا ينفعه في القبر إلا مثل هذه الكلمات والله لو كلم أبناءه بكلمة واحدة لسكن الناس كلهم المقابر يكلموا أحبابهم وأخواتهم وأصحابهم وأولادهم فما منا واحد إلا وله في القبر عزيز أي عزيز لكن قد حيل بينهم وبين ما يشتهون ، بقيت سنة كاملة وفي آخر السنة طوت خيمتها وأخذت أولادها وجاءت راجعة مع الغروب إلى بيتها لا تجد جدوى من جلوسها سنة كاملة وإذا بهاتف يهتف بها ويقول هل وجدوا ما فقدوا هل وجدوا ما فقدوا وإذا بهاتف آخر يرد ويقول ما وجدوا ما فقدوا بل يئسوا فانقلبوا ووالله لن يرجع ميت يا أيها الأحبة فما على الإنسان إلا أن يحتسب في تلك اللحظات ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفقد ابنه [إبراهيم] الصغير فلذة كبده فماذا كان منه صلى الله عليه وسلم دمعت عينه وتأثر قلبه لكنه ما قال إلا ما يرضي ربه صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة قال "العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" ها هي إحدى بناته صلى الله عليه وسلم كانت في يوم من الأيام لها ولد في النزع الأخير في سكرات الموت فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً وقالت أخبره أن ابني في النزع لِيَحْضُرَه ، فأخبره فقال "مرها فلتصبر ولتحستب لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شئ عنده بأجل مسمى". [يعقوب] عليه السلام يفقد حبيبه وابنه وفلذة كبده [يوسف] عليه السلام مدة أربعين عاماً فيصبر لا يشكو إلى أحد وإنما يشكو إلى الله (وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) أما الآخر فيغدو ليعتق نفسه يصاب بالمصيبة فيحتسبها عند الله كما سمعتم من هذا الذي ذكرت الآن فيعوضه الله ويبشره الله (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإن إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المفلحون) في صحيح [البخاري] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل "ما لعبدي المؤمن عندي من جزاء إذا قبضت صفيه وخليله من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" ويا له من جزاء ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وعند [الترمذي] "أن الله عز جل يقول للملائكة قبضتم ابن عبدي المؤمن قبضتم روح ابن عبدي المؤمن وهو أعلم سبحانه وتعالى ، قبضتم ثمرة فؤاده قالوا نعم قال فماذا قال ، قالوا حمدك واسترجع قال الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون قال الله ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد "(وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) ذكر [الذهبي] [وابن كثير] عليهما رحمة الله أن [عروة بن الزبير] أحد علماء المدينة والذي كان يقطع يومه صائماً غالباً ويقطع ليله قائماً ويختم القرآن في كل أربع ليالي مرة أخذ ابنه وسافر في يوم من الأيام وأصابته الآكلة في رجل قدمه وهو ما يسمى الآن بالسرطان أصابه في قدمه فجاءوا به إلى الأطباء فقالوا نقطعها من القدم قال لكني أنتظر واصبر واحتسب فصعدت الآكلة إلى الساق فقالوا نقطعها من الركبة قال لكني انتظر وأصبر وأحتسب فدخلت إلى الفخذ فقالوا يخشى عليك قال الله المستعان سلمت أمري لله فافعلوا ما شئتم فجاء الأطباء وتجمعوا بمناشيرهم وجاءوا ليس لديهم مخدر كما لدينا الآن ما عندهم إلا كأس الخمر جاءوا له بكأس خمر قالوا له اشرب هذا عله أن يذهب عقلك فلا تحس بألم القطع فصاح وقال عقل منحنيه ربي أذهبه بكأس من الخمر لا والله لكن إذا أنا توضأت ووقفت بين يدي الله وقمت لأصلي وسبحت مع آيات الله البينات فافعلوا برجلي ما شئتم توضأ ووقف بين يدي الله وجمعوا مناشيرهم وسبح مع آيات الله البينات وقاموا يقطعون في رجله بالمناشير والدماء تنزف وإذ به يخر مغشياً عليه وفي تلك اللحظة كان ابنه محمد وراء ناقة من النوق يطاردها فرفسته فأماتته مصيبتان في آن واحد آفاق من غيبوبته فقالوا له أحسن الله عزائك في ابنك [محمد] وأحسن الله عزائك في رجلك فقال الحمد لله رب العالمين أولاً وآخر وظاهراً وباطناً إن لله وإنا إليه راجعون اللهم يا رب إن كنت أخذت فقد أعطيت أعطيتني أربعة من الولد وأخذت واحدا فلك الحمد أولاً وآخر وظاهراً وباطناً وأعطيتني أربعة من الأطراف فأخذت واحداً فلك الحمد أولاً وآخر وظاهراً وباطناً صبر وأي صبر وبشر الصابرين سمع به [الوليد] فطلب أن يأتي إليه فذهب إليه في قصره ودخل على [الوليد] وجلس عند [الوليد] وبه من الهم ما به لكنه فوض أمره إلى الله جل وعلا ، فجاء طفل صغير من أطفال [الوليد] وقال ما أصاب عروة ما أصابه إلا بذنب أصابه فقال لا والله
ما نديت كفي لريبة ولا *** حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا دلني سمعي ولا بصري لها *** ولا قادني فكري إليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة *** من الله إلا قد أصابت فتىً قبلي
لعله يتسلى به فخرجوا يبحثون فإذا هم برجل أعمى يتلمس الطريق بجانب قصر الخليفة فأدخلوه ويوم أدخلوه على الخليفة قال ما خبرك قال أنا رجل من [بني عبس] والله ما كان في [بني عبس] رجل أغنى مني كانت عندي أموال كثيرة وكان عندي أولاد كثر كان عندي من الإبل والبقر والغنم والدراهم والذهب والفضة ما يعلمه الله جلا وعلا ثم عزب لي قطيع من الإبل فخرجت أبحث عن هذا القطيع أتلمس قال ثم عدت بعد ثلاث أيام وقد رجعت بالقطيع فإذا سيل قد جاء على الوادي بعدي فلم يبق لي لا ولداً ولا أماً ولا أختاً ولا بنتاً ولا ابناً ولا مالاً فإذا الديار خراب بلقع ليس بها داع ولا مجيب قال فوقفت وإذا أنا بطفل صغير معلق بشجرة طفل صغير من أطفاله لم يبق سواه قال فتقدمت إليه وأخذته وضممته على صدري وأنتحب قال وإذا بأحد الجمال يند ويهرب قال قلت ضيعت كل شيء من أجلك لأرجعن بك فترك ابنه الصغير قال وبينما أنا أطارد الجمل وإذ بصوت الطفل الصغير يصرخ فإذا ديب قد أخذه وإذا به يسحبه من أمامي مصيبة أي مصيبة قال فبقيت وراء الإبل لم يبق لي إلا الإبل أريد أن أستعيد هذا الجمل قال ووراءه أطارده وإذ به يرفسني فيعمي عيني فإذا أنا في الصحراء لا أهل ولا مال ولا صديق ولا صاحب ولا أنيس إلا الله الذي لا إله إلا هو وجئتك ووالله ما جئتك يا [وليد] شاكيا ولكن جئتك ليعلم الناس أن لله عبادا يرضون ويسلمون بقضاء الله وقدره إذا قدر (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) ها هو [أبو ذؤيب الهزلي] يموت له ثمانية أبناء في يوم واحد بالطاعون فيحمد الله ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون ويصبر ثم يقول بعض أبيات من الشعر هي عظة وعبرة يقول:
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم *** وإذا المنية أقبلت لا تُدْفَعُ
وإذا المنية أنشبت أظفارها *** ألفيت كل تميمة لا تنفع
وتجلدي للشامتين أريهم *** أني لغيب الدهر لا أتضعضع
فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
وذاك غاد يغدو ليهلك نفسه بظلم عباد الله جل وعلا يظلمهم بلسانه ويظلمهم بيده ويظلمهم بأي نوع من أنواع الظلم ناسيا قول الله عز وجل (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) متناسيا أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب يرفعها الله فوق الغمام ويقول سبحانه وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين . هاهو [سعيد بن زيد] أحد العشرة المبشرين بالجنة تأتي امرأة فتذهب إلى أحد خلفاء [بني أمية] وتقول إن [سعيد بن زيد] غصبني أرضي وأخذها وما كان لسعيد أن يأخذها فيأتي به الخليفة ويقول أغصبتها أرضها يا سعيد فتدمع عيناه ويقول والله ما غصبتها أرضها ووالله لن أغصبها أرضها لأني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول "من ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ يوم القيامة من سبع أراضين" يصبح طوق له من سبع أراضين يحمله يوم القيامة ثم قال فلتأخذ أرضي إلى أرضها وبئري إلى بئرها ونخلي إلى نخلها فإن كانت صادقة فذاك وإن كانت كاذبة فأعمى الله بصرها وأرداها في أرضها وتصعد الدعوة إلى الله جل وعلا الذي ينصر المظلوم من الظالم وتخرج هذه المرأة وبعد فترة تصاب بالعمى ثم تذهب لتتخبط في أرضها التي أخذتها بالزور والجور ثم تسقط في البئر متردية ميتة نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة والختام وهاهم [البرامكة] وزراء [الرشيد] الذين كان منهم ما كان كانوا في نعمة من الله لكنهم ما صانوا نعمة الله تكبروا وتجبروا وظلموا عباد الله عز وجل وظنوا أنهم في بعد عن قبضة الله عز وجل ويسلط الله عليهم الخليفة فيقتل منهم من يقتل ويدخل السجن منهم من يدخل السجن ويضرب منهم أحدهم منهم ألف سوط ثم يدخله السجن وهو من كبارهم فيأتي أحد أبناؤه يزوره فيقول أبتاه بعد العز أصبحت في القيد كانت قصورهم مطلية بالذهب والفضة أين الذهب والفضة يا أبتاه قال ألا تدري يا بني؟ قال :لا. قال دعوة مظلوم سرت في جوف الليل نمنا عنها وليس الله عنها بنائم (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) ألا وإن من أعظم الظلم ظلم الحيوانات بعض الناس جبان شجاعته سلطها على العجماوات علي الحيوانات على الدواب التي سخرها الله عز وجلا. له شجاع على القطط وجريء على الكلاب ها هو رجل أعرفه في منطقة الجنوب ما كان منه في يوم من الأيام إلا أن تردد حمار على مزرعة له يدخل كل يوم هذه المزرعة فيدخل فيها ويأكل منها ما يأكل فطرده في اليوم الأول ثم طرده في اليوم الثاني ثم طرده في اليوم الثالث ولما آذاه كثيرا أخذه في ليلة من الليالي ثم ربطه في سيارته حيا ثم سحبه على الإسفلت إلى منطقة بعيدة حتى تمزق قطعة قطعة ظلم وأي ظلم ويرجع إلى بيته ويأتي وفي البيت بعوض فقام بمبيد حشري عنده يضرب في الغرفة ضرب الغرفة وضرب حتى امتلأت بهذا الغاز ثم جاء ليضيء المصباح فما كان من المصباح إلا أن أصدر شرارة فإذ بالغرفة تصبح عليه نارا فيحترق بالنار ثم يبقي يوم أو يومين أو ثلاثة ليلقى الله نسأل الله أن يحسن لنا وله الختام. البهائم تشكوا إلى الله عز وجل. بعير يدخل النبي صلى الله عليه وسلم حائط رجل من الأنصار فيجد بعيرا هناك يجرجر ويأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودموعه تذرف يعرف أنه صلى الله عليه وسلم ما أرسل إلا رحمة للعالمين فيقول صلى الله عليه وسلم "أين صاحب هذا البعير فيخرج فتى من الأنصار ويقول أنا يا رسول الله يقول أنا يا رسول الله فيقول؛ فقال: أما تتقى الله في هذه البهيمة تجيعها وتتعبها إنها شكت إليَّ ما تجده منك" (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) صلى الله عليه وسلم (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) هاهو رجل كان يكاري على بغل له بين <دمشق> <والزبدان> كما يروي [ابن كثير] وجاء يوم من الأيام قاطع طريق فركب معه وذهب في الطريق وبينما هو في الطريق قال اسلك هذه الطريق فهي أيسر وأقرب قال منذ فترة وأنا أسلك هذا الطريق وأنا أعرف هذا الطريق قال هذا أقرب وأيسر فصدقه وذهب معه فجاء إلى وادٍ سحيق وإذ بهذا الوادي جثث القتلى كثير وإذا به يأتي بالناس إلى هناك فيذبحهم ثم يسرق ما بهم ظلم وأي ظلم جاء بهذا الرجل وأراد أن يقتله هرب الرجل فلحق به وأمسك به قال يا أخي خذ كل ما أملك خذ بغلتي وخذ ثيابي وخذ دراهمي وخذ كل ما تريد ودعني أرجع قال لابد من قتلك قال إن كان لابد فدعني أصلي ركعتين أودع بهما الدنيا يلجأ إلى الله جل وعلا قال فقمت أصلي وهو قائم عليَّ بالحربة يريد أن يقتلني قال ضيعت القرآن وأنا أرى الحربة فوق رأسي فوالله ما استحضرت آية من القرآن إلا إنني تذكرت قول الله (أَمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) قال فكررتها وإذا بفارس من فم الوادي يخرج على فرس ومعه حربة فينطلق حتى يضربه بالحربة فيرديه قتيلا قال فتعلقت بثيابه وقلت له أسألك بالله من أنت قال أنا من جنود الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب دخل [طاووس] عليه رحمة الله على [هشام بن عبد الملك] ينصحه ويعظه ويحذره الظلم ويقول له اتق الله يا [هشام] ولا تنس يوم الآذان قال وما يوم الآذان يا [طاووس] قال (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) فأغمي عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" وآخر يغدو ليعتق نفسه فلا يظلم أحدا إن تكلم فبالعدل وإن حكم فبالعدل وإن خاصم فبالعدل وإن عاهد فبالعدل والمقسطون العادلون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فأي الغاديين أنت فكل يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
وذاك يغدوا ليقطع رحمه فيوبق نفسه وتحل به اللعنة يقول الله عز وجل (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) إن الله لما خلق الرحم تعلقت بالعرش وقالت يا رب هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى فمن وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله يغدو بعض الناس ليعق والديه الذين هم السبب في وجوده بعد الله جل وعلا والله عز وجل يقول ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) واليوم نسمع يا أيها الأحبة ويا ليت الإنسان أحيانا لا يسمع غير اسم الأب وأهينت الأم في كثير من البيوت يوم ضاعت تقوى الله جل وعلا فما تسمع في بعض البيوت إلا تسمية نتنة نتن الجيف يقول لأبيه شيبة النحس ويقول لأمه عجوز الشؤم أراحنا الله منهما إن هذه الكلمات لتنطلق من أولاد على والديهم فلا إله إلا الله إن رضا الله في رضا الوالدين وإن سخط الله في سخط الوالدين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله ثم عقوق الوالدين"من أكبر الكبائر عقوق الوالدين دعوة الوالدين غنيمة من الله عز وجل دعوة الوالدين مستجابة دعوة الوالدين لا ترد فكم من دعوة والد أوبقت دنيا الولد وأخراه وكم من دعوة والد أسعدت دنيا الولد وأخراه يقول [أبان ابن عياش] خرجت من عند [أنس بن مالك] <بالبصرة> ومررت على السوق فإذا أنا بجنازة يحملها أربعة نفر ووراءهم امرأة فقلت ميت يموت من المسلمين لا يتبع جنازته إلا أربعة نفر والله لأشهدن هذه الجنازة قال فتقدمت قال ثم ذهبت وراءهم وحضرت الجنازة ودفنوا هذه الجنازة ثم قلت لهم ما حالتكم مع هذه الجنازة لم يحضرها إلا أربعة أين المسلمون قالوا استأجرتنا تلك المرأة لدفن هذا الرجل فسلها ما لديها قال فذهبت وراءها وتلمست الطريق وراءها حتى وصلت لبيتها ثم تركتها وعدت لها بعد فترة ودخلت عليها وقلت لها أحسن الله عزاءك ، لله ما أخذ وله ما أبقى ، وكل شيء عنده بأجلٍ مُسَمَّى ما خبرك وما خبر الجنازة التي دفنتموها في ذلك اليوم قالت إن هذا ابني كان مسرفا على نفسه مرتكبا للموبقات والمعاصي والسيئات كثير العقوق لي ويوم حلت به سكرات الموت قال يا أماه أتريدين لي السعادة قالت أي والله وألام والأب ينسى كل ذلة من ولده في تلك اللحظات قالت أي والله قال فإذا أردت ذلك فإذا أصبحت في السكرات الأخيرة فلقنيني شهادة أن لا إله إلا الله ثم ضعي قدمك على خدي وقولي هذا جزاء من عصى الله ثم ارفعي يديك إلى الله وقولي اللهم إني أمسيت راضية عن ابني فارض عنه ، ولا تخبرين أحدا بموتى فإنهم يعلمون عصياني ولن يشهدوا جنازتي. قال: ففعلتي؟ قالت أي والله لقد فعلت ما قال ، قال فما الخبر فتبسمت وقالت والله رأيته البارحة في المنام وهو يقول يا أماه قدمت على رب رحيم كريم غير غضبان عليَّ ولا ساخط بدعوتك .رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين هاهو شاب اسمه [مُنازِل] رمز للعقوق عند العرب ينهمك في المعاصي فيتقدم إليه أبوه فينصحه ويقول له اتق الله فيتقدم إلى أبيه فيلطمه كفا ويالله ابن يضرب أباه فحلف بالله ليحجن إلى البيت الحرام وليدعون عليه وهو متعلق بأستار الكعبة فذهب ووصل إلى الكعبة وتعلق بأستار الكعبة فكان يقول
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا *** أرض المهامه من قرب ومن بعد
هذا منازل لا يرتد عن عققي *** فخذ بحقي يا رحمن من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه *** يا من تقدس لم يولد ولم يلد
وتصعد الدعوة إلى الله جل وعلا فييبس شق ولده الأيمن فيصبح يابس بهذه الدعوة من هذا الأب .
وهاهو آخر يحكى لي بائع مجوهرات يذكر لي في رمضان في سنة من السنوات يقول تقدم إليّ رجل وأمه وزوجته وابنه الصغير قال دخلوا إليّ في المحل قال فوقفت الأم متحجبة على استحياء وابن ابنها معها تمسك به قال وتقدمت الزوجة وزوجها فأخذوا من الذهب بمقدار عشرين ألف ريال قال ثم تقدمت الأم من هناك فأخذت خاتم بمائة ريال ، جاء يحاسب صاحب المجوهرات هو يعرف أنه أخذ بعشرين ألف قال كم حسابك قال عشرين ألف ومائة ريال قال وما هذه المائة قال أمك أخذت خاتماً بمائة فغضب وأرغى وأزبد وتقدم إليها وأخذ الخاتم من يدها وقال العجائز ليس لهن ذهب وليس لهن زينة فما كان من هذه الأم إلا أن ذرفت دموعها وتغصصت بجرعها وما كان منها إلا أن خرجت بابنه تحمله بين يديها إلى السيارة وركبت السيارة ، بها من الهم ما لا يعلمه إلا الله ، يقول صاحب المجوهرات وأنا أعرفه والله لقد بكيت أنا مما رأيت من الموقف قال فقالت زوجته إن أمك هي التي تمسك بابننا وهى التي تخدمنا فما لك لا تعطيها هذا الخاتم لن تمسك بابني بعد ذلك ولن تخدمني فذهب إليها بالخاتم وقال لها خذي يا أماه قالت والله ما لبست ذهبا ما حييت والله ما عرفت الذهب ما حييت أبدا كنت أريدها لأفرح به معكم فرأيت أن الأم لا داعي لها أن تلبس الزينة والله ما لبسته أبدا أرأيتم عقوقا مثل هذا العقوق أيها الأحبة إن هذا في غياب تقوى الله عز وجل وفى غياب التربية الإسلامية في البيوت وهاهي قصة أخرى لتعلموا أن دعوة الوالدين مستجابة فسلطوها فيما ينفع الأبناء في دنياهم وأخراهم ، داعية من الدعاة إلى الله يذكر عن أبيه يقول أبي كان في سن الشباب وَجَدُّهُ كان رجلا صالحا قال وأنا في سن الشباب فتح القبول في السلك العسكري في المملكة قبل فترة طويلة قال وكان عندي غنم كنت أرعاها قال فقلت لأذهبن مع الناس لأسجل في العسكرية فقال لأبيه أريد أن تأذن لي أن أذهب فماذا كان منه ما كان منه إلا أن قال أنا لا أستطيع فيك يا بنى أما أن آذن لك فوالله لا آذن لك أما إن ذهبت فوالله الذي لا إله إلا هو فما لي إلا سهم أوجهه إلى الله في منتصف الليل ولعل الله لا يرده، ذهب الرجل وخاف أن يذهب ويترك والده وبقي فترة ثم أغرته ذهاب الناس إلى هناك واستلام الرواتب أغرته الدنيا فترك غنمه مع غنم جيرانه وذهب وقال لا تخبروه عني إلا في الغد فذهب وترك والده ولم يستأذنه ولم يخف من ذلك السهم الذي قال له وفي اليوم الثاني يخبر أبوه بأنه قد ذهب مع مجموعة ليسجل في العسكرية <بالطائف> قال وذهبوا في الطريق دعا عليه أبوه وبينما هم في منتصف الطريق وإذ بالولد يعمى لا يبصر شيئا فأخذوه وتقدموا به إلى >الطائف < وجاءوا إلى هناك قالوا هذا لا يصلح لل