دروس شهر رمضان 1436(11): ففروا إلى الله .... فوائد من كتاب "ففروا إلى الله " لعصام بن عبد العزيز العويد
كاتب الموضوع
رسالة
admin Admin
عدد المساهمات : 9680 تاريخ التسجيل : 06/08/2009
موضوع: دروس شهر رمضان 1436(11): ففروا إلى الله .... فوائد من كتاب "ففروا إلى الله " لعصام بن عبد العزيز العويد الأحد يونيو 28, 2015 8:37 am
فر نوح عليه السلام إلى ربه بعد أن قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}[هود: 45] الآية , قال الله له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] فتاب إلى ربه وقبله ربه.
فر إبراهيم عليه السلام إلى ربه بينما النيران من حوله ستحرقه، يأتيه جبريل ويقول: ألك حاجة؟ فيقول إبراهيم مختارًا الفرار الحقيقي الواحد، الذي ليس لأحد سواه فرار، يقول لجبريل: «أما منك فلا، أما من الله، فنعم، حسبي الله ونعم الوكيل»(تفسير السمرقندي)؛ فقال سبحانه وبحمده: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69].
هذا يونس عليه السلام يلتقمه الحوت فيصير في ظلمات ثلاث؛ في بطن الحوت ظلمة، وفي البحر ظلمة، وفي الليل ظلمة، ظلمات وأي ظلمات؟ ها هو عليه السلام يفر إلى ربه، لا يجد ملجأ سواه، لا يجد من يشكو إليه إلا الله، لا يوجد من ينقذه؛ لا سلاح حدود، ولا أناس ولو كثروا؛ إنه حوت فمن ينقذه منه، ومن ينجيه؟ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}[الأنبياء: 87، 88].
يقول السعدي رحمه الله تعالى: سمي الرجوع إلى الله فرارًا؛ لأن في الرجوع لغير الله أنواع المخاطر والمكاره، وفي الرجوع إلى الله أنواع المحاب والسرور والسعادة والأمن والفوز ,فرارٌ يعين عليه: 1- مواعظ القصد. 2- نظر العبد في الحق الله عليه. 3- محاسبة النفس. 4- التوبة، وللتوبة أسرار: انكسار التائب، وندامة المسيء الذي يفر إلى الله والدار الآخرة.
ذكر الإمام أحمد أن رجلاً من بني إسرائيل كانت له إلى الله حاجة، فتعبد، واجتهد، ثم طلب إلى الله تعالى حاجته فلم ير نجاحًا، فبات ليلة مزريًا على نفسه، محقرًا لها، ماقتًا لها، وقال: يا نفس مالك؟ وبات محزونًا قد أزرى على نفسه، وقال: والله ما من قبل ربي أتيت، ولكن من قبل نفسي، وألزم نفسه الملامة، فقضيت حاجته.
يذكر القرطبي - رحمه الله تعالى - تفسيرًا عجيبًا في تفسير قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، قال: الفرار من المعاصي إلى الطاعات، كلنا في موازيننا سيئات، والدليل قول الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 6] يعني بالحسنات على السيئات والعكس {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 8]، يعني في كل ميزان حسنات وسيئات، لا يوجد أحد إلا مذنب، ومخطئ، لكن من الذي ثقلت حسناته على سيئاته، قال رحمه الله: من معاني الفرار إلى الله: الفرار من المعاصي إلى الطاعات، وابن عباس قال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}؛ يعني التوبة ففروا إلى الله من ذنوبكم.
من أعظم أسباب الفرار إلى الله : تصور يا ابن آدم! يوم توقد النيران، واضطرامها، وبعد قعرها وشدة حرها، وعظيم عذاب أهلها، فيشاهدهم المؤمن، وقد سيقوا إليها، سود الوجوه زرق العيون، والسلاسل والأغلال في أعناقهم، فلما انتهوا إليها فتحت في وجوههم أبوابها، فشاهدوا ذلك المنظر الفظيع، وقد تقطعت قلوبهم حسرة وأسفًا! قال تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53] , تصور يا ابن آدم إذا قيل لهم: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 14 - 16].
من أعظم أسباب الفرار إلى الله : تصور يا من أحب الفرار إلى الجنة، وما أعد الله فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ترتبها المسك، وحصباؤها الدرر، وبناؤها لبن الذهب والفضة، وقصب اللؤلؤ، وشرابها أحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، ونساؤها لو برز وجه إحداهن في هذه الدنيا لغلب على ضوء الشمس، ولباسهم الحرير ومن السندس والإستبرق، وخدمهم ولدان كاللؤلؤ المنثور، وفاكهتهم دائمة {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة: 33، 34] وغذاؤهم لحم طير مما يشتهون، وشرابهم عليه خمر {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] وخضرتهم فاكهة مما يتخيرون، {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 22، 23] فهم {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس: 56]، وفي تلك الرياض يحبرون، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون.
دروس شهر رمضان 1436(11): ففروا إلى الله .... فوائد من كتاب "ففروا إلى الله " لعصام بن عبد العزيز العويد