دروس شهر رمضان 1435 (8): تفاؤل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)
كاتب الموضوع
رسالة
admin Admin
عدد المساهمات : 9680 تاريخ التسجيل : 06/08/2009
موضوع: دروس شهر رمضان 1435 (8): تفاؤل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) الأحد يوليو 06, 2014 8:40 am
التفاؤل سمة إيجابية للنفس السوية، يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه صحة نفس عالية، وفي المقابل هناك علاقة وطيدة بين التشاؤم وكثير من مظاهر الاعتلال النفسي.والمتفائلون يعيشون حياةً مستقرة سوية، يتوقعون الخير، وينظرون إلى الأحداث والمواقف باعتدال وتوازن، ويبحثون عن الفُرَص أكثر من بحثهم عن المشكلات.والتفاؤل يحتاجه الفرد العادي محدود العلاقات، ومحدود المهمات، فكيف بالقادة وحَمَلة الرسالات؟وهذا يقودنا إلى التساؤل عن موقع التفاؤل في شخصية محمد (صلى الله عليه وسلم).
ينهى عن التشاؤم والتطير:
كان العرب ينتشر لديهم التشاؤم والتطير، وكانوا يتوقعون الشر حين يرون مظاهر مادية يفسرونها بذلك؛ حين يرى أحدهم طائرًا أسود، أو حين يستقبله رجل ذو عاهة،أو حين يتجه الطير ذات الشمال... إلخ، تلك المعتقدات التي ربما صرفتِ الإنسانَ عن سفره، أو عن حاجة من حوائجه.جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) وأبطل تلك المظاهر، وحكم بأنها بابٌ من أبواب الشرك بالله عز وجل، فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك. ثلاثًا»([1])، فيكرر (صلى الله عليه وسلم) هذا التحذير تأكيدًا لهذا المعنى، وانتزاعًا لما استقر لدى العرب آنذاك من مظاهر التطير والتشاؤم.وجاءه ذات يوم أحدُ أصحابه فسأله عن مظاهرٍ يراها لدى قومه، ومنها التطير؛ لإخباره بحقيقة ذلك، قال معاوية بن الحكم السلمي: قلت: يا رسول الله! إنَّا حديثُ عهد بجاهلية، فجاء الله بالإسلام، وإن رجالاً منا يتطيرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يَصُدَّنَّهُم». ثم سأله سؤالاً آخر؛ فقال: ورجال منا يأتون الكُهَّان؟ قال: «فلا تأتوهم»([2]).لقد أخبر محمد (صلى الله عليه وسلم) عن حقيقة التطير، وأنه لا يعدو أن يكون مشاعر يصنعها الإنسان، فتتحول إلى حقائق لديه، وتتجاوز دائرة الأفكار والمشاعر إلى التأثير على قراراته في حياته الشخصية، ومن هنا نهى محمد (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، مبيِّنًا أنه لا رصيد لهذه المشاعر؛ فلا ينبغي أن يستجيب لها الإنسان، فتصدّه عن مهامّه ومصالحه.إن التشاؤم والتطير رَبْطٌ غير موضوعي بين ظواهرَ يراها الإنسان، وبين المستقبل، فما علاقة ما سيجري في المستقبل بما يقابله المرء في الطريق، أو ما يراه ويسمعه؟
يتفاءل بالكلمة الطيبة:
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يتوقع الخير ويحبه، ومن هنا كان يتفاءل حين يسمع كلمة طيبة، فعن أنس (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا عدوى ولا طِيَرة، ويعجبني الفأل الصالح. والفأل الصالح: الكلمة الحسنة» ([3]). ويحكي لنا صاحبه أبو هريرة (رضي الله عنه) موقفًا من مواقف التفاؤل؛ إذ يروي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سمع كلمة فأعجبته فقال: «أخذنا فَأْلَك من فِيكَ»([4]).وكان محمد (صلى الله عليه وسلم) يعجبه الفأل ويحبه، في مقابل كراهيته للطِّيَرة. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة ([5]).إن الفأل يعني توقع الإنسان ما يسرّه، وأن يظن الخير فيما يَستقبلُ من أمره، وهذا يقوده إلى الاطمئنان وترك القلق على ما يستقبل من أمره، وحين يكون الأمر بخلاف ما ظَنَّ فلن يضيره ذلك، بل يعود إلى نفسه، ويتساءل ،فلعل عدم تحقق ما أراده بسبب تقصيره هو وإخلاله بالجهد الذي كان عليه أن يفعله، حينها يأخذ من ذلك درسًا في مستقبل حياته. وإن لم يُقَصِّر فحينها يُحسن الظن بربه، ويرى أنه قد يتوقع في أمر ما خيرًا فيكون بخلاف ذلك، كما جاء في كتاب الله عز وجل: (البقرة: ٢١٦). في القرآن الكريم أيضًا في شأن العلاقة بين الزوجين قال تعالى: (النساء: ١٩).والإنسان في ذلك لا يركن إلى مجرد هذه المشاعر الداخلية، بل إنه يتخذ منها دافعًا نفسيًّا يبعث على الاطمئنان، ثم على مزيد من بذل الجهد وسلوك الأسباب الموصلة إلى ما يريد.
يتفاءل بالرؤيا الحسنة:
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يتفاءل بالرؤيا الحسنة، فحين يرى الرؤيا يستنتج من قرائنها ما يتوقع منه خيرًا في حياته.فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): « رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع ،فأتينا برطب من رطب ابن طاب ، فأولت الرفعة لنا في الدنيا ، والعاقبة في الآخرة،وأن ديننا قد طاب »([6]).ولا يسلم الإنسان من أن يرى في منامه ما قد يسره أو يسوؤه، فيوجِّه محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى التعامل الإيجابي مع الرؤيا التي يراها المرء في منامه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان؛ فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليَقُصَّ إن شاء، وإن رأى شيئًا يكرهه فلا يَقُصّهُ على أحدٍ، ولْيَقُم يصلي»([7]).لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يتعامل مع الرؤيا تعاملاً معتدلاً، فهو لا يعطيها أكبر من حجمها، ولا تتحول إلى دستور يوجِّه حياته ويصرِّفها.إنه يتفاءل بما يراه فيها من خير، لكنه في الوقت نفسه لا يقف عند مجرد التفاؤل النفسي، بل يتجه منه إلى العمل.في غزوة أُحُد رأى محمد (صلى الله عليه وسلم) رؤيا فقصَّها على أصحابه، وتفاءل بها خيرًا.فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرًا مُنَحَّرَة، فأولت أن الدرعَ الحصينةَ المدينةُ، وأن البقر هو والله خير».فقال: لأصحابه لو أنَّا أقمنا بالمدينة، فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم. فقالوا: يا رسول الله! والله ما دُخِلَ علينا فيها في الجاهلية، فكيف يُدْخَلُ علينا فيها في الإسلام؟ فقال: «شأنكم إذًا» فلبس لأْمَتَهُ. فقالتِ الأنصار: رددنا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأيه؛ فجاؤوا فقالوا: يا نبي الله! شأنك إذًا. فقال: «إنه ليس لنبي إذا لبس لأْمَتَهُ أن يضعها حتى يقاتل»([8]).لقد تفاءل محمد (صلى الله عليه وسلم) بهذه الرؤيا فقال: «والله خير»، لكنه في الوقت نفسه تعامل مع الموقف بما يقتضيه، فعرض الأمر على أصحابه واستشارهم، وأخذ برأي الأغلبية، رغم أن رأيه بخلاف ذلك، واستعدَّ للموقف بما يتلاءم معه فلبس سلاحه وأخذ أُهْبَته.
التفاؤل بالاسم الحسن:
عُنِيَ محمد (صلى الله عليه وسلم) بالاسم الحسن الباعث على التفاؤل، وقد غيَّر كثيرًا من الأسماء التي كانت تحمل دلالة غير مناسبة.فغيَّر اسم امرأة من عاصية فجعلها جميلة.وجاءه رجل فقال: «ما اسمك؟» قال: حَزْن - أي: صعب - فسمَّاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) (سهل).وفي حديث آخر أن رجلاً كان يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ما اسمك؟»، قال: أنا أصرم، قال: «بل أنت زُرْعَة» ([9]).وقال عبد الله بن الحارث بن أبزى: حدثتني رائطة بنت مسلم عن أبيها قال: شهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حُنَيْنًا فقال لي: «ما اسمك؟» قلت: غراب، قال: «لا، بل مسلم»([10]). وغيَّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اسم العاص، وعزيز، وعتلة، وشيطان ، والحكم، وغراب، وشهاب، وحباب فسماها: هاشمًا ،وسمى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث.كما غيَّر (صلى الله عليه وسلم) في أسماء المواضع، فغيَّر اسم أرض يقال لها عفرة إلى خضرة، وشعب الضلالة سمَّاه شعب الهدى.وغيَّر في أسماء بعض القبائل فبنو الزينة سمَّاهم بني الرشدة، وسمَّى بني مغوية بني رشدة([11]).وفي يوم الحديبية، يوم أن منع أهل مكة محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه من العمرة، وأرادوا المفاوضات حول ذلك الأمر، أرسلوا رسلاً يفاوضونه فلم يصلوا إلى صلح، فأرسل أهل مكة رجلاً – أسلم فيما بعد – اسمه سهيل بن عمرو، فقال (صلى الله عليه وسلم): «لقد سهَّل الله لكم من أمركم» تفاؤلاً باسم الرجل([12]).
التفاؤل يلازم محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وهو في العبادة:
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) قريبًا من ربه؛ يلجأ إليه بالصلاة والدعاء في كل موطن،ومما شرعه (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه الصلاة عند تأخر نزول المطر وحاجة الناس إلى ذلك، وتسمى هذه الصلاة (صلاة الاستسقاء).في هذه الصلاة كان (صلى الله عليه وسلم) يصلي بالناس جماعة، ثم يستقبل القبلة، ويدعو ربه عز وجل، وحين يدعو يقلب رداءه، وذلك تفاؤلاً بتحول الحال من القحط والجدب إلى الغيث ونزول المطر.فعن عبد الله بن زيد (رضي الله عنه)أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خرج إلى المصلى فاستسقى، فاستقبل القبلة وقلب رداءه، وصلى ركعتين ([13]).
التفاؤل في مواقف الشدة:
عندما نرى التفاؤل في عين أحدهم وهو في لحظة نجاح نعدّه تفاؤلاً طبيعيًّا، وعندما نراه في عين مأزوم محزون قد نعتبرّه تفاؤلاً مستغرَبًا.حين تشتد بالإنسان المواقف، ويعظم عليه الأمر؛ يعلو لديه القلق، وييأس من الفرج والمخرج.ومحمد (صلى الله عليه وسلم) إنسانٌ كسائر الناس، تلمُّ به هذه المواقف، ويصيبه ما يصيب سائر الناس، فهل كان ييأس ويتوقع الشر والمصائب؟ أم كان يتفاءل؟تروي زوجته عائشة -رضي الله عنها- أنه يومًا ما سألته عن أشد ما لقي من قومه، فأخبرها أن ذلك كان في رحلة الطائف، وفي هذه الرحلة لم يدْعُ على أهل الطائف، ولم يسأل ربه أن يعذبهم، بل قال:«أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا»([14]).في حادثة الهجرة تآمرت قريش على محمد (صلى الله عليه وسلم) ليُخرِجوه من بيته، أو يقتلوه، أو يأسروه ويسجنوه.وتَطَلّب ذلك أن يأخذ بالأسباب، ويسعى لتجاوز الموقف، فخرج (صلى الله عليه وسلم) مع صاحبه أبي بكر (رضي الله عنه)، واختفيا في كهف من كهوف مكة، حتى يهدأ بحث قريش عنهما، فيخرجان إلى المدينة.وحين افتقدت قريش محمدًا (صلى الله عليه وسلم) خرجوا يبحثون عنه مستنفرين قوتهم وإمكانياتهم، وساروا في أثرهما حتى وصلوا الغار، فوقفوا عند بابه يتحدثون، فقال أبو بكر (رضي الله عنه) لمحمد (صلى الله عليه وسلم): لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فكان لمحمد (صلى الله عليه وسلم) منطقٌ آخر يحكيه لنا القرآن الكريم: قال تعالى: (التوبة: ٤٠).ويحكي لنا القرآن أن هذه السمة ليست قاصرة على محمد (صلى الله عليه وسلم) بل إن نبي الله موسى عليه السلام كان يعيش هذا التفاؤل في موقف قريب من موقف محمد (صلى الله عليه وسلم).يقف موسى عليه السلام أمام بحر لا يرى شاطئه الآخر، ومعه قوم لا يُحسِنون القتال، ووراءه جيش لا يمكنه مقاومته، ويثق بربه، بل ويتفاءل، برغم صيحات اليأس والندم، ممن حوله.
وهكذا كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يسير على خطى إخوانه الأنبياء.
لقد كانت المهمة التي قام بها محمد (صلى الله عليه وسلم) مهمة عظيمة، مهمة تتطلب التغيير في واقع الناس أفرادًا ومجتمعات، التغيير في الواقع الديني والاجتماعي والسياسي، وهذا التغيير بحد ذاته يتطلب جهدًا ضخمًا، ومع ذلك فالأمر لا يقف عند مجرد القيام بعبء التغيير، بل كانت هناك قوى عدة في جزيرة العرب من مصالحها أن يبقى وضع الجزيرة على ما هو عليه، وكانت تخسر كثيرًا من نفوذها وإمكاناتها عند أي نجاح يحققه محمد (صلى الله عليه وسلم)، فسعت تلك القوى جهدها في العداء ومقاومة التغيير، ولو وصل الأمر إلى العدوان والمقاومة المسلحة.
إن هذا الواقع وتلك المهمة كانت تتطلب امتلاك محمد (صلى الله عليه وسلم) التفاؤل، إذ هو المحرك للعمل والتغيير، والذين يعلو لديهم هاجس التشاؤم لن ينجحوا في تغيير أنفسهم فضلاً عن مجتمعاتهم.
يعلِّم أصحابه التفاؤل:
لم يكتفِ محمد (صلى الله عليه وسلم) بتحقق هذه السمة لديه في شخصه، بل كان يربي أتباعه عليها ويعلمهم إياها.
يقول عدي بن حاتم الطائي (رضي الله عنه)أحد صحابة محمد (صلى الله عليه وسلم):
بينا أنا عند النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل.
فقال: يا عدي! هل رأيتَ الحِيرَة؟
قلت: لم أرَها وقد أُنْبِئْتُ عنها،- والحيرة مدينة من مدن العراق-.
قال: فإن طالت بك حياة لترين الظَّعِينَة – المرأة المسافرة - ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله.
قال عدي: فقلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعّار طيئ ( يعني لصوصها) الذين قد سعروا في البلاد؟
ثم أكمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حديثه بقوله: «ولئن طالت بك حياة لتُفتَحن كنوز كسرى».
فقال عدي: كسرى بن هرمز؟!
قال: «كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه»([15]).
وقد تحقق ذلك ورآه عدي بن حاتم (رضي الله عنه) في حياته فقال: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم الحياة، لترون ما قال أبو القاسم (صلى الله عليه وسلم) .
وفي موقف آخر وهو مستضعَف في مكة كان يعلِّم أصحابه التفاؤل ويَعِدُهم بالمستقبل المشرق.
عن خباب بن الأرت (رضي الله عنه) قال: «شكونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا، فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها فيُجَاء بالمنشار فيُوضع على رأسه فيجعل نصفين ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله لَيَتِمَّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»([16]).
وقد مرت السنون، وسار الراكب من صنعاء آمنًا لا يخاف إلا الله في طريقه والذئب على غنمه، مثلما قال محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ منِ اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وذيوع الأمن فيها الصادر عن شيوع العدل والأمان، ووحدة الدولة وسلطتها الممتدة.
وفي مقابل اعتنائه بتعليم أتباعه التفاؤل كان محمد (صلى الله عليه وسلم) يكافح كل نظرة تشاؤمية لا ترى في الناس أملاً لصلاح ؛ فنبه أصحابه إلى هذا السلوك حين قال لهم: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم»([17]).
وحين يمرض بعض الأعراب فيعوده (صلى الله عليه وسلم) قائلاً: «لا بأس طهور إن شاء الله»، فيُجيب الأعرابي: قلتَ طهور؟ كلا، بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تُزِيرُه القبورَ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «فنعم إذًا»([18]).
-------------------------------------------------------------------------------- ([1]) أخرجه أبو داود (3910)، والترمذي (1614). ([2]) أخرجه مسلم (537). ([3]) أخرجه البخاري (5756)، ومسلم (2224). ([4]) أخرجه أبو داود (3917). ([5]) أخرجه البخاري (5754)، ومسلم (2220). وهو بهذا اللفظ عند ابن ماجه (3536). ([6]) أخرجه مسلم (2270). ([7]) أخرجه البخاري (7017)، ومسلم (2263). وهو بهذا اللفظ عند ابن ماجه (3906). ([8]) أخرجه أحمد (14373). ([9]) أخرجه أبو داود (4954). ([10]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير. ([11]) انظر تحفة المودود، لابن القيم. ([12]) أخرجه البخاري (2734). ([13]) أخرجه البخاري (1012)، ومسلم (894). ([14]) أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795). ([15]) أخرجه البخاري (3595)، ومسلم (1016). ([16]) أخرجه البخاري (6943). ([17]) أخرجه مسلم (2623). ([18]) أخرجه البخاري (3616).
======================
رابط الموضوع:
اللهم اغفر لنا و ارحمنا
دروس شهر رمضان 1435 (8): تفاؤل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)