دروس شهر رمضان 1434 (26): وقفات فى أواخر شهر رمضان
كاتب الموضوع
رسالة
admin Admin
عدد المساهمات : 9696 تاريخ التسجيل : 06/08/2009
موضوع: دروس شهر رمضان 1434 (26): وقفات فى أواخر شهر رمضان الأحد أغسطس 04, 2013 9:24 am
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه و على آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فيا عباد الله، إننا نشكر الله - عز وجل - على ما أنعم به من إتمام صيام رمضان وقيامه، ونسأله تعالى الذي وفقنا لذلك أن يوفقنا لقبول صيامنا، وقيامنا، وسائر أعمالنا.
أيها المسلمون، لقد كنا نرتقب مجيء شهر رمضان، ونعد لأجله الشهور فجاء الشهر ثم خلفناه وراء ظهورنا، وهكذا كل مستقبل للمرء يرتقبه، يجيء ثم يمر به ويخلفه وراءه إلى أن ينتهي به الأجل، وليت شعري ماذا يكون عليه الموت، لأن الزمن مهما طال فإنه قصير إذا كانت نهايته الموت، نسأل الله أن يجعل ميتتنا وإياكم على الحال التي ترضيه عنا عز وجل، ونسأل الله - تعالى - أن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله إخلاصا لله ومحبة له وتعظيما.
أيها المسلمون: إن الله شرع لنا في ختام شهرنا شرائعَ، فلنعلمها لنعمل بها لأن الأعمال بالخواتيم، ومن ذلك - عباد الله - إخراجُ زكاة الفطر؛ فهي فرضٌ على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحرِّ والعبد من المسلمين.
جاء في الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَضَ زكاةَ الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة. وذكر التمر والشعير في هذا الحديث إنما هو من باب التمثيل وإلا فإن المشروع إخراج زكاة الفطر من كل طعام يقتاته الآدميون والأفضل من الطعام ما كان أنفع للفقراء.
ولقد شرع الله سبحانه زكاة الفطر طهرة للصائم مما قد يكون لحق بصومه من النقص والخلل فجاءت هذه الزكاة في ختام الشهر لتَجبر ذلك كله، وتغسل ما قد يكون علق بالصائم مما يكدِّر صومَه، وينقص أجرَه.
كما أن في هذه الزكاة إشاعة المحبة والمسرة بين أفراد المجتمع وخاصةً للمساكينَ وأهل الحاجة؛ وذلك أن العيد يومُ فرحٍ وسرور، فينبغي تعميمُ هذا الفرح والسرور ليشمل جميعَ فئات المجتمع، ومنها الفقراء والمساكين، ولن يدخل السرور إلى قلوبهم إلا إذا أعطاهم إخوانهم، وأشعروهم أن المجتمع يد واحدة؛ يتألم بعضه لألم الآخر، ويفرح له.
وهذا إنما يتحقق إذا أدى المسلم فريضة زكاة الفطر على الوجه الشرعي بحيث يؤديها مخلصا لله فيها محتسبا أجرها عند الله موصلا إياها لأهلها المستحقين الذي عينهم رسول الله صلى الله وسلم.
وعلى المسلم أن يتجنب إخراج الرديء من الطعام لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) ولأنه يعامل الله بهذه الصدقة، ويجب على المسلم أن يتحرى المستحق للزكاة ولا يكون أداؤه لها مجرد تخلص منها على أي وجه كان فإن الإنسان إذا أعطاها لغير أهلها لم تبرأ ذمته بهذا الإعطاء، فإن لم يوجد في بلده مستحق بحث عن المستحق في أقرب بلد إليه.
أيها المسلمون.... لزكاة الفطر وقتان: وقتُ فضيلة، ووقت جواز، أما وقتُ الفضيلة، فهو صباح العيد قبل الصلاة؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "أمَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة"؛ رواه البخاري، وأما وقت الجواز، فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخِّرت فهي صدقةٌ من الصدقات.
أيها المسلمون: زكاة الفطر يُخرِجها المرءُ عن نفسه، وعمَّن ينفِق عليه من الزوجات والأقارب والخدم، ويُستحَبُّ إخراجُها عن الحمل الذي في البطن ولا يجب، ونصابُ تلك الزكاة الواجب إخراجها قرابة الكيلوين وأربعين جرامًا من غالب قوت البلد الذي هو فيه.
أيها المسلمون: وإن مما شرعه الله لكم عند ختام شهركم، ورؤيتكم هلال فطركم، أن تكبِّروا الله - تعالى - وتشكروه على ما منَّ به عليكم من الصيام والقيام كما قال تعالى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ...} الآية [البقرة: 185]، وصفةُ التكبير أن يقول المسلم: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، وهذه السُّنةُ، يجهر بها الرجال من غروب شمس ليلة العيد إلى الصلاة، وتُسِرُّ بها النساء؛ لأنهن مأمورات بالستر والإسرار بالصوت.
عباد الله، وإن من تمام ذِكر الله - تعالى - في ختام شهر الصيام: الامتثالَ لأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأداء صلاة العيد، فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه رجالاً ونساء بأداء تلك الصلاة، حتى النساء اللاتي صلاتُهن في بيوتهن خيرٌ لهن، أُمرْنَ بالخروج لهذه الصلاة؛ قالتْ أم عطية - رضي الله عنها -: أمَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن نُخرِج في الفطر والأضحى العواتقَ والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحيض، فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتُلبسها أختُها من جلبابها))؛ رواه مسلم.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر النساء بالخروج لصلاة العيد حتى إنه أمر الحيض وذوات الخدور لشهود هذه الشعيرة العظيمة، فما القول بالرجال الذين أمدهم الله بصحة الأبدان وعافيتها، والذين يقضون غالب يوم العيد أو كله بالنوم أو يتلهون عن هذه الشعيرة العظيمة بأي شيء.
ولتعلموا أيها المسلمون أن كثيرا من العلماء الأجلاء في قديم الزمان وحديثه قد قالوا إن صلاة العيد فرض عين كالصلوات الخمس على كل قادر من الرجال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخرج الحيض والنساء اللاتي لا تجب عليهن صلاة الجماعة لهذه الصلاة فغير هؤلاء من الرجال القادرين الأمر في حقهم أشد. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر.اهـ.
أيها المسلمون.....اعلموا أن للعيد آدابا ينبغي للمسلم الا يفرط فيها فمنها:
أنه يستحب للمسلم في عيد الفطر أن يأكل تمراتٍ وتراً قبل الخروج للعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً، و ينبغي أن يقتصر على وتر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها أنه يلبس أحسن ثيابه، وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وليخرجن تفلات" أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج، ويحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة.
وقد استحب بعض العلماء أن يغتسل الإنسان لصلاة العيد؛ لأن ذلك مروي عن بعض السلف، والغسل للعيد مستحب، كما شرع للجمعة لاجتماع الناس، ولو اغتسل الإنسان لكان ذلك جيداً.
ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون إن يوم العيد هو من أيام الله الفاضلة التي شرع فيها الفرح بنعمة الله والتوسع في المباحات وهذا لا يعني التطاول على المحرمات فيوم العيد يوم شكر لله لا يوم كفر لنعمه فليتنبه المسلم لهذا الأمر جيدا.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، لقد حل بنا شهر رمضان شهراً كريماًَ فأودعناه ما شاء الله من الأعمال، ثم فارقنا سريعاً شاهداً لنا أو علينا.
إن مِنَ الناس مَنْ فرحوا بفراقه؛ لأنهم تخلصوا منه، تخلصوا من الصيام والعبادات التي كانت ثقيلة عليهم، وإن من الناس من فرح بتمامه؛ لأنهم تخلصوا به من الذنوب والآثام بما قاموا به فيه من الأعمال الصالحة التي استحقوا بها وعد الله بالمغفرة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، "ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، "ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وإن الفرق بين الفرحين عظيم، وإن علامة الفرح بفراقه أن يعاود الإنسان المعاصي بعده، فيتهاون بالواجبات، ويتجرأ على المحرمات، وتظهر آثار ذلك في المجتمع فيقل المصلون في المساجد وينقصون نقصاً عظيماً ملحوظاً، ومن ضيع صلاته فهو لما سواها أضيع؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإن المعاصي بعد الطاعات ربما تحيط بها وتكون أكثر منها وأعظم فلا يكون للعامل سوى التعب، قال بعض السلف: "ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة على رد الحسنة وعدم قبولها"(م1)، يقول الله عز وجل: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: 49].
أيها المسلمون، أتظنون أن مواسم الخير إذا انتهت فقد انقضى عمل المؤمن؟ إن هذا الظن ظن لا أساس له من الصحة.
إن عمل المؤمن لا ينقضي بانقضاء مواسم العمل، إن عمل المؤمن عمل دائب دائم لا ينقضي إلا بالموت؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]، أي حتى يأتيك الموت.
أيها المسلمون، لئن انقضى شهر الصيام فإن زمن العمل لم ينقطع، لئن انقضى صيام رمضان فإن الصيام لا يزال مشروعاً ولله الحمد، "فمن صام رمضان وأتبعه بستة أيام من شوال كان كصيام الدهر"، وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيام الاثنين والخميس وقال: "إن الأعمال تعرض فيهما على الله فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"، وأوصى - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من أصحابه - ووصيته لواحد من أصحابه وصية لأمته - صلى الله عليه وسلم - كلها - "أوصى أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء رضي الله عنهم أن يصوموا ثلاثة أيام من كل شهر"، وقال صلى الله عليه وسلم: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله"، وحث على العمل الصالح في عشر ذي الحجة ومنه الصيام، وقال - صلى الله عليه وسلم - في صوم يوم عرفة: "يكفر سنتين ماضية ومستقبلة"، يعني: لغير الحاج، فإن الحاج لا يصوم في عرفة، وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"، وقال في صوم يوم العاشر منه "يكفر سنة ماضية"، وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر تعني تطوعا ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا".
أيها المسلمون، ما ذكر كلها أيام يشرع فيها الصيام، إذاً فالتعبد لله بالصيام لم ينقطع - ولله الحمد - على طول السنة، ولئن انقضى قيام رمضان فإن القيام لا يزال مشروعاً كل ليلة من ليالي السنة، حث عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغب فيه، وقال: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل"، وكان - صلى الله عليه وسلم - كما قال عنه ربه جل وعلا: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ [المزمل: 20]، وقال تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 218-219]، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن "الله - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له"، فتعرضوا - أيها المسلمون - لنفحات الله في هذا الجزء من الليل؛ لعلكم تصيبون رحمة من عنده، لعلكم تدعونه فيستجيب لكم، وتسألونه فيعطيكم، وتستغفرونه فيغفر لكم، اللهم وفقنا لذلك وأعنا عليه يا رب العالمين.
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، وبادروا أعماركم بأعمالكم، وحققوا أقوالكم بأفعالكم، فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله، وإن الكيس "من دان نفسه أي حاسبها وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمني على الله الأماني"، اذكروا أيها المسلمون "أنكم إذا متم تبعكم ثلاثة أهلوكم وأموالكم وأعمالكم فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع الأهل والمال ويبقي العمل قرينا الإنسان إلى يوم القيامة"، اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واختم لنا بحسن الخاتمة يا رب العالمين.
عباد الله، لقد يسر الله لكم سبل الخيرات، وفتح أبوابها، ودعاكم لدخولها، وبين لكم ثوابها، فهذه الصلوات الخمس آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، "هي خمس في الفعل وخمسون في الميزان"، من أقامها كانت كفارة له ونجاة يوم القيامة، شرعها الله لكم وأكملها بالرواتب التابعة لها، وهي "اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، من صلاهن بنى الله له بيتا في الجنة"، "وتختص راتبة الفجر بخصائص منها: أنها خير من الدنيا وما فيها"، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، "ومنها: المحافظة عليها في الحضر والسفر"، "ومنها: أنها تخفف"، "ومنها: أنه يقرأ فيها بآيات معينة أو سور معينة يقرأ فيها في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية بسورة الإخلاص بعد الفاتحة"، "أو يقرأ فيها ﴿قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة: 36] إلى آخر الآية في سورة البقرة ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: 64] في آل عمران الأولى في الركعة الأولى والثانية في الركعة الثانية".
وهذا الوتر سنة مؤكدة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله، أما فعله: فكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم "يجعل آخر صلاته بالليل وترا"، وأما قوله فقد قال صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل"، "فالوتر سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان تركه، حتى أن أهل العلم اختلفوا في وجوبه فمنهم من أوجبه ومنهم من أكده، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة"، "وأقل الوتر ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة ووقته من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر"، ومن فاته في الليل قضاه في النهار شفعاً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث فنسيه في الليل أو نام عنه صلاها في النهار أربع ركعات، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة".
وهذه الأذكار خلف الصلوات المكتوبة كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "إذا سلم من صلاته المكتوبة استغفر ثلاثة وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، "ومن سبح الله دبر كل صلاة ثلاث وثلاثين، وحمد الله ثلاث وثلاثين، وكبر الله ثلاث وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وقال: تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
وهذا الوضوء "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". أما النفقات المالية فإنها لا تزال مشروعة إلى الموت على مدار السنة: الزكوات، والصدقات، والمصروفات على الأهل والأولاد، بل المصروفات على نفس الإنسان صدقة، "ما من مؤمن ينفق نفقة يبتغي بها وجه الله إلا أثيب عليها"، "وإن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها"، "إذا أكلت فسمِّ الله في أول الأكل"، واحمد الله في آخره، وإذا شربت فسمِّ الله في أول الشرب واحمد الله في آخره، "وإن الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر"، والساعي على الأرملة: هو الذي يسعى برزقهم ويقوم بحاجتهم، وعائلة الإنسان الصغار والضعفاء الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم من المساكين، فالسعي على عائلته كالجهاد في سبيل الله، أو كالصيام الدائم والقيام المستمر، يا لها من نعمة وفضل أنعم الله بها على عباده، فنسأل الله - تعالى - أن يرزقنا شكرها، وأن يزيدنا منها بمنه وكرمه.
عباد الله، إن طرق الخيرات كثيرة فأين السالكون؟ وإن أبوابها لمفتوحة فأين الداخلون؟ وإن الحق لواضح لا يزيغ عنه إلا الهالكون، فخذوا - عباد الله - من كل طاعة بنصيب، فقد قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77]، واعلموا - أيها الإخوة - أنكم مفتقرون لعبادة الله أشد من افتقاركم إلى الطعام والشراب والهواء والنوم، إنكم مفتقرون لذلك في كل وقت، وليست العبادة فقط في رمضان، وليست العبادة في رمضان فقط؛ لأنكم تعبدون الله والله حي لا يموت.
أيها المسلمون إنه سيأتي اليوم الذي يتمنى الواحد فيه زيادة ركعة أو تسبيحة في حسناته، ويتمنى نقص سيئة أو خطيئة في سيئاته، فبادروا - أيها الإخوة - بادروا الزمن بالأعمال الصالحة، إنه لا يتعب الإنسان أن يذكر الله - تعالى - بلسانه، أو يقرأ القرآن بلسانه؛ لأن هذا أمر سهل يمكنك أن تذكر الله عز وجل؛ كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس"، في كل وقت قائماً وقاعداً وماشياً، ولقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، أينا يعجز أن يقول: سبحان الله وبحمده دائماً وأبداً، إن هذا لأمر يسير، ولكنه يسير على من يسره الله عليه والموفق من وفقه الله، اللهم يسر ذلك علينا بمنك وكرمك.
أيها المسلمون، تذكروا قول الله عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 99-100]، إنه لا يقول: ارجعون لعلي أتمتع قليلا في أهلي ومالي، ولكنه يقول الله - عز وجل - عنه: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ ولكن ذلك بعد فوات الأوان؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 100].
رأي بعض الناس أحد الصالحين الذين ماتوا في المنام فقال لهذا الميت يا فلان: ما هي أخباركم؟ فقال هذا الميت: نحن في القبور نعلم ولا نعمل. أي أننا نعلم حقيقة الجنة والنار والثواب والعقاب، وأنتم أيها الأحياء تعملون ولا تعلمون، والله لتسبيحه نقولها أحب إلينا من الدنيا وما فيها. فيا أخي المسلم بادر قبل أن تقول يا ليتني فعلت وقدمت لنفسي.
اللهم أمتنا على أحسن الأعمال، اللهم أمتنا على أحسن الأعمال، وابعثنا على خير الخلال يا ذا الجلال والإكرام، وفقني الله وإياكم لاغتنام الأوقات، وعمارتها بالأعمال الصالحات، ورزقنا اجتناب الخطايا والسيئات، وطهرنا منها بمنه وكرمه إنه واسع الهبات، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
دروس شهر رمضان 1434 (26): وقفات فى أواخر شهر رمضان