دروس شهر رمضان 1434 (6): إن العزة لله جميعاً .......الشيخ أحمد الحاج
كاتب الموضوع
رسالة
admin Admin
عدد المساهمات : 9696 تاريخ التسجيل : 06/08/2009
موضوع: دروس شهر رمضان 1434 (6): إن العزة لله جميعاً .......الشيخ أحمد الحاج السبت يوليو 13, 2013 10:59 am
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
كان العرب قبل الإسلام أمماً متناحرة متحاربة متفرقة لا تجمعها كلمة ، كانوا أذلّ الأمم ، لا قيمة لهم بين الناس ، كانوا تبعاً للشرق وللغرب ، كانوا تبعاً للفرس تارة ، وللروم تارة أخرى ، عاشوا هذا الحال زمناً طويلاً ، إلى أن أراد الله تبارك وتعالى أن يرفع من شأنهم ، وأن يُعلي من مكانتهم ، فبعث الله محمداً - رسول الله صلى الله عليه وسلم – ليكون مصدراً لعزّ هذه الأمة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدين ، جاء بالإسلام ، ليكون هذا الإسلام منطلقاً لعزّ هذه الأمة ، فتبدّل حال العرب مع الإسلام ، إلى أن اصبحوا أعظم أمة وجدت على وجه هذه الأرض .
ما الذي بدّل حال العرب ؟ ما الذي غيّر حالهم من المهانة والذلة والفرقة إلى العزّة والقوة والاجتماع ؟ إنه دين الله ، إنه الإسلام الذي غيّر حال العرب وبدّل أوضاعهم ، فجعلهم خير أمة أخرجت للناس كما أخبر الله تبارك وتعالى .
لقد وجّهنا الله سبحانه وتعالى إلى سبيل العزّة ، بيّن لنا طريق هذه العزّة ، فقال سبحانه : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) [فاطر:10] .
العزيز هو القوي الذي لا يُغلب ، القوي المنيع الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وهل هناك أعزّ من الله ؟ ( إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [يونس:65] . فمن أراد العزّة فعليه أن يعتزّ بالله ، فمن طلب العزّة من الله وصدق في طلب هذه العزّة ، وعمل على نيل وتحقيق هذه العزّة أعزّه الله تبارك وتعالى إن طلبها من الله . أما إن طلب العزّة من غير الله وَكَلَه الله تبارك وتعالى إلى ما اعتزّ به . ولقد بيّن الله تبارك وتعالى لنا حال فريق من الناس ، ألا وهم المنافقون فقال سبحانه : ( بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ) [النساء:138-139] . من اعتز بماله قلّ ، ومن اعتزّ بجاهه ذلّ ، ومن اعتزّ بعقله اختل ، ومن اعتزّ بالناس ملّ ، ومن اعتزّ بالله فلا ذلّ ولا قلّ ولا ملّ ولا اختل .
لذلك ، حينما يعتزّ الإنسان بالله فإنه يستمدّ من الله تبارك وتعالى هذه العزّة فيكون عزيزاً بعزّة الله ، ويكون عزيزاً بعزّة دين الله تبارك وتعالى .
لما قال زعيم المنافقين عبدالله بن أبيّ بن سلول : ( لا تنفقوا علي مَن عند رسول الله حتى ينفضوا ) ، ثم قال قولاً آخر أشنع من الأول : ( لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) قصد بالأعزّ نفسه ، وقصد بالأخرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مقولته ، فأنكر زعيم المنافقين ذلك ، ففضحه الله تبارك وتعالى ، وأنزل قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة : ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) [المنافقون:8] . فالعزّة لله ، والعزّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعزّة لكل مؤمن بالله ، ولكل متّبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن ميزة هذه الأمة أنها أمة عزيزة ، أعزّها الله تبارك وتعالى ، لذلك بيّن الله تبارك وتعالى أن هذه الأمة تتصف بصفتين : صفة العزّة، وهذه العزّة والقوة إنما تكون على أعداء الله . وأما الصفة الثانية فهي صفة الرأفة والرحمة ، وهذه الرحمة تكون لأولياء الله ، لعباد الله المؤمنين ، لهذا قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [المائدة:54] . إذاً ، ميزة هذه الأمة أنها أمّة عزيزة ، وسنقف اليوم بإذن الله مع ثلاث صور من صور العزّة في حياة هذه الأمة .
الصورة الأولى : مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، الأسوة والقدوة لهذه الأمة ، لما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش كان من بنود هذا الصلح أن مَن أراد أن يدخل في حلف المسلمين دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش دخل فيه ، فدخلت بنو خزاعة في حلف المسلمين ، ودخل بنو بكر في حلف قريش ، واستمر هذا الصلح أشهراً ، إلى أن قام بنو بكر بالغدر والإخلال بالعهد ، فتقضوا عهدهم ، وهجموا على بني خزاعة عند ماء يقال له " الوتير " بجوار مكة فقتلوا منهم عدداً كبيراً ، فجاء سيد خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى حليفه يشكو أمره ، فقال أبياتاً من الشعر :
هم بيتونا بالوتير هجّدا وقتلونا ركّعاً وسجدا
فاشتكى الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟ هل طلب لقاء وفد من قريش ؟ هل ندّد وشجب واستنكر ؟ هل طلب انعقاد هيئات لمراقبة الهدنة ؟ ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أيها المسلمون ! أجاب زعيم خزاعة بكلمات معدودات فقال له : ( نُصِرتَ يا عمرو بن سالم ) ثم أمر المسلمين بالجهاز فتجهّزوا ، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جيش المسلمين حتى حاصر مكة ودخلها فاتحاً بإذن الله تبارك وتعالى . هكذا ردّ النبي صلى الله عليه وسلم على نقض العهد ، وعلى غدر هؤلاء الغادرين .
أما الصورة الثانية : فهي مع صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، في القادسية بعث رستم قائد الفرس إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائد المسلمين أن ابعث إليّ رجلاً أكلمه ، فبعث سعد الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه ، فجاء ربعي إلى رستم فدخل ، فإذا برستم على عرشه ، قد وضع تاجاً من الذهب فوق رأسه ، وقد زيّن مجلسه بالنمارق والحرائر ، وبالذهب والفضة والياقوت وأنواع الجواهر ، وكان ربعي يحمل سيفه ورمحه وترسه ، ويركب فرساً قصيرة ، فلما وصل إلى معسكر رستم نزل وربط فرسه بوسائد رستم ، ثم دخل باتجاه رستم ، فجاء الحراس يريدون أخذ سلاحه ، قالوا يمنع الدخول بالسلاح ، فقاومهم ربعي ، وأبى أن يسلم سلاحه وقال لهم : أنتم دعوتموني ، فإن شئتم دخلت وإلاّ رجعت . عند ذاك أمر رستم بإدخاله ، فدخل ربعي وهو يحمل سلاحه ، وأخذ يتوكأ على رمحه يمزق بها وسائدهم وفرشهم حتى تقدم إلى رستم ، فسأله رستم : ما الذي جاء بكم ؟ فقال ربعي رضي الله عنه : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدالة الاسلام ، بعثنا الله تبارك وتعالى لندعو عباده إلى دينه ، فمن قَبِل بذلك قبلنا منه ، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله . فقال رستم : وما موعود الله ؟ قال: الجنة لمن قتل ، والنصر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت منك ، فدعني أفكر في أمري . فقال له ربعي : ماذا تُحب ، يوماً أو يومين ؟ فقال رستم : إني أريد أن أخاطب أولياء الأمر ، وهذا يحتاج إلى زمن طويل . فقال له ربعي : لقد سنّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نؤخر الأعداء عن ثلاثة أيام ، فأمهله ربعي ثلاثة ايام ، قال : انظر في شأنك . فقال له رستم : هل أنت سيدهم ؟ فقال له ربعي : لا ، أنا رجل من المسلمين . فقال رستم لأصحابه : ما رأيت أعزّ من هذا الرجل .
هكذا كان جنود محمد صلى الله عليه وسلم ، هكذا كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، هكذا كان المسلمون ، وهكذا ينبغي أن يكون الرجل المسلم ، عزيزاً في كل موقف من مواقفه ، لا يذلّ ولا يخشى في الله لومة لائم .
الصورة الثالثة : صورة مع خليفة من خلفاء المسلمين ، إنه هارون الرشيد ، كان الملك في الروم لامرأة تملكهم ، وكانت قد خضعت لسلطان هارون الرشيد ، وكانت تدفع له الجزية في كل عام ، فقام رجل وانقلب عليها واسمه نقفور ، فأخذ مُلك الروم ، فلمّا تملّك على الروم بعث برسالة إلى هارون الرشيد يقول فيها : ( من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب ، أما بعد ، فإن الملكة التي كانت قبلي قد اقامتك مقام الرّخ ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، وقد حملت إليك أموالها ، فإذا وصلك كتابي هذا فاردد إليّ ما حملت إليك من مال ، وافتد بذلك نفسك ، وإلاّ فالسيف بيننا وبينك ) وصلت الرسالة إلى هارون الرشيد فقرأها ، فاستشاط غضباً حتى خاف الحاضرون من غضبه ، فماذا فعل هارون الرشيد ؟ أخذ الرسالة وكتب على ظهرها : ( من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، وصلتني رسالتك يا بن الكافرة ، وجوابي ما ترى ، لا ما تسمع ) ثم جهز جيشه وغزا بلاد الروم من جديد ، إلى أن أخضع نقفور لسلطته ، وخضع نقفور وأقر بدفع الجزية لهارون الرشيد من جديد .
إنها صور العزّة في حياة هذه الأمة ، هكذا تتعامل القيادة ، وهكذا يتعامل الجنود ، لا فرق في المواقف بين أدنى المسلمين وأعلاهم ، لذلك كانت هذه الأمة أمة عزيزة لأنها استمدت عزّتها من الله ، استمدّت عزّتها من دين الله تبارك وتعالى .
ولكن لما تخلّى الناس عن دينهم وابتعدوا عن هذا الدين ، وتعلّقوا بحبال الهوى ، وتعلّقوا بخيوط العنكبوت ، ماذا حلّ بهذه الأمة ؟ انقلبت الأمور ، فعادت إلى ما كانت عليه قبل الإسلام أمماً متناحرة ، ودولاً متفرقة ، تسودها العداوة والبغضاء ، ولاؤها للشرق تارة وللغرب تارة أخرى ، تتقاذف الأمواج هذه الأمة ، حتى ذلّت وضاع سلطانها ، حتى ضاعت قيمتها ، وما عاد لها من قيمة ولا وزن في تاريخ البشرية اليوم . مَن يعتبر هذه الأمة ؟ مَن يُقيم لها وزناً ؟ لماذا تغيّر حال هذه الأمة ؟ ولماذا انقلبت هذه الأمور ؟ لأن هذه الأمة قد ابتعدت عن مصدر عزّها ألا وهو كتاب الله ، ألا وهو دين الله ، سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ابتعدت هذه الأمة عن هذا الأصل وقع عليها من الذل بقدر ابتعادها عن مصادر هذه العزّة .
لذلك ، بيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( إذا تبايعتم بالعينة – وهو نوع من أنواع الربا - و أخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، و تركتم الجهاد ، سلّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) [ رواه أبو داود ] .
إذاً ، عودة العزّ إنما هو بالعودة إلى هذا الدين ، ولكن هذه الأمة أصبحت أمة ذليلة ، أصابها الوهن لأنها تعلّقت بهذه الدنيا ، فذلّت هذه الأمة ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، قالوا : أومن قلّة نحن يومئد يا رسول الله ؟ قال : إنكم كثير ، ولكنكم كغثاء السيل ، ينزع الله المهابة من صدور عدوكم ويقذف في قلوبكم الوهن . قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حبّ الدنيا وكراهية الموت ) [ رواه أحمد وأبو داود ] .
لقد تعلّق الناس بالدنيا ، وكرهوا الموت في سبيل الله ، لذلك حقّ عليهم هذا الذّل ، وتجمّعت الأمم على هذه الأمة ، فهم يسومونهم سوء العذاب ، يفعلون بهم ما لا يخفى على أحد من العالمين .
لذلك ، إذا أرادت هذه الأمة أن تعود إلى عزّها وإلى مجدها ما عليها إلا أن تعود إلى دينها ، العزّ كل العزّ في دين الله ، وفي طاعة الله تبارك وتعالى . نحن أمة أعزّنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزّة بغير الإسلام أذلنا الله ، هذا هو الميزان ، وهذه هي القاعدة التي ينبغي على الناس أن ينتبهوا لها ويسيروا عليها .
إذاً ، العزّ كل العزّ في هذا الدين ، والذلّ كل الذلّ من خلال البعد عن هذا الدين ، أسأل الله تبارك وتعالى أن يبدّل حالنا إلى أحسن حال ، اللهم أعزّ الإسلام وأهله ، وأذلّ الكفر وأهله يا رب العالمين . اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
رابط الموضوع الاصلى
سبحان الله
دروس شهر رمضان 1434 (6): إن العزة لله جميعاً .......الشيخ أحمد الحاج