فقه المرأة في رمضان: استعمال أدوية لمنع الحيض من أجل الصوم في رمضان أو غيره .... للدكتور محمد بن هائل المدحجي
كاتب الموضوع
رسالة
admin Admin
عدد المساهمات : 9696 تاريخ التسجيل : 06/08/2009
موضوع: فقه المرأة في رمضان: استعمال أدوية لمنع الحيض من أجل الصوم في رمضان أو غيره .... للدكتور محمد بن هائل المدحجي الجمعة يوليو 20, 2012 10:00 am
اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن الحائض لا يجب عليها الصوم ولا يصح منها، وأن الحيض أثناء الصيام مفسد للصوم وموجب للقضاء، فعن معاذة قالت: "سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟ فقلت: لست بحرورية ولكن أسأل، فقالت: كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (متفق عليه ).
والحكمة في هذا الحكم : أن خروج دم الحيض يضعف البدن أثناء الصيام، فتحتاج المرأة إلى الأكل والشرب ليتقوى به البدن .
ولما كان الحيض عند المرأة قد يصادف أزماناً فاضلة فلا تستطيع الصوم، فقد تلجأ إلى تناول ما يمنع حيضها، لرغبتها في صيام شهر رمضان مع الناس، والصلاة فيه، أو إدراك ما ندب إلى صيامه، كيوم عاشوراء، وعرفة، أو يكون لديها قضاء أيام كثيرة من رمضان، تصومها في شوال ولا يمكن لها الجمع بين قضائها وصيام ستة من شوال إلا بدفع الحيض.
وتناول دواء لمنع الحيض معروف منذ القدم بحسب المعارف المتاحة في كل عصر، وفي العصر الحديث ظهرت طرق طبية تمنع نزول دم الحيض ومن أهمها: أقراص منع الحيض: وهي عبارة عن حبّات تؤكل بالفم تتركب من هرمون البروجسترون، وطريقة عملها يمكن تلخيصها في أن سبب نزول دم الحيض نقص هرمـون البرجسترون المحفـز لبطانـة الرحم لتنمو وتزيد سماكتها لاستقبال البويضة الملقحة، فإذا لم يحصل التلقيح يقل إفراز هذا الهرمون، ويصبح غشاء بطانة الرحم بدون سند هرموني، لذا ينسلخ وينفصل عن الرحم وينزل على شكل دم الحيض وبما أن هبوط مستوى هرمون البروجستون هو المسؤول عن نزول الحيض، فإن استقرار مستواه عامل مهم في عدم نزول الحيض، فلذلك يُعطى هذا الهرمون على شكل أقراص تؤكل بالفم ليمنع من هبوط مستوى البروجسترون في الأوعية الدموية وهذا بدوره يمنع نزول الحيض.
وهرمون البروجسترون المأخوذ على شكل أقراص لمنع الحيض يُعد آمن الاستعمال إلى حد كبير وسلبياته قليلة ومؤقته تزول بانتهاء الاستعمال، ولكنها قد تسبب اضطراباً للحيض .
وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن إدخال الضرر إلى الجسم لا يجوز مستدلين على ذلك بنصوص من الكتاب منها قوله تعالى: { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }البقرة 195 ) وقوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ تَأْكُلُوْا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوْا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيْمًا}(النساء 29 )، فإذا كان منع الحيض بدواء يتحقق معه لحوق الضرر بالمرأة فإنه لا يجوز؛ وذلك لأن من الأصول المقررة في الشريعة حفظ النفس وعدم إدخال الضرر عليها ، ومن قواعد الشريعة " لا ضرر ولا ضرار " و " ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح " .
أما إن كان منع الحيض بما لا يتحقق معه القطع والجزم بوقوع الضرر، فقد اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في ذلك : فمنع المالكية استعمال دواء يمنع الحيض؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى نهى عن إلقاء النفس إلى الهلاك، ومن ذلك تعاطي ما قد يضر بصحة الإنسان، والحيض حقه أن يخرج من البدن فحبسه فيه يؤدي إلى الضرر، والله سبحانه وتعالى نهى عن إلحاق الضرر بالنفس، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه ، كما أن استخدام ما يمنع نزول الحيض بلا حاجة تدعو إلى ذلك مخالف للفطرة والطبيعة التي خلق الله المرأة عليها، وهو أمر مقدر من عند الله، والواجب على المرأة أن ترضى بما كتبه الله لها وقدره عليها، وتفطر إذا حاضت ثم تقضي ما كان واجباً. فبقاء المرأة على فطرتها وعدم منعها للحيض، ثم قضاؤها لصومها خيرٌ لها من منعه، وإذا تعذّر على الحائض الصوم والصلاة، فأبواب العبادة الأخرى غير متعذرة، كالذكر والصدقة، والإحسان إلى الناس بالقول والفعل.
وفي المقابل : ذهب الشافعية و الحنابلة رحمهم الله إلى جواز استعمال دواء يمنع الحيض، وقد روي عن الإمام أحمد – رحمه الله – أنه قال: " لا بأس أن تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفاً "(كما في المغني 1/221 ) ومن أدلة هذا القول: أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يثبت دليل التحريم، ولا يوجد دليل يدل على عدم جواز رفع الحيض لأجل الصوم فنبقى على الأصل، كما أن في منع الدم عن النزول في رمضان حفاظاً على أيام مباركات لا تعوّض في فضلها.
والذي يظهر -والله أعلم - التفصيل في حكم تناول المرأة حبوب تأخير الحيض. فالبكر لا ينبغي أن تستعملها؛ لأنها لا تعلم مدى تأثيرها على جهازها التناسلي. والمرأة بطيئة الحمل، أو من لا تحمل إلا بالأدوية كذلك لا ينبغي لها أن تستعملها؛ وذلك لأن درء مفسدة عدم الحمل أولى من مصلحة صيام المرأة وصلاتها مع المسلمين، وفطرها في أيام حيضها لا يمنعها من تدارك غالب شهرها. وهذا بناء على القاعدة الفقهية : "درء المفاسد أولى من جلب المصالح". كما أن حبوب تأخير الحيض تفسد على المرأة انتظام دورتها الشهرية ويزداد الأمر سوءاً في المرأة بطيئة الحمل، أو من لا تحمل إلا بالأدوية، فالكراهة في مثل هذه الأحوال شديدة .
وأما المرأة السليمة فيجوز لها استعمال هذه الحبوب إذا أمنت الضرر؛ إذ الأصل الإباحة، لكن لا يخلو استعمالها من كراهة ؛ وذلك لأن تناول حبوب تأخير الحيض سيؤثر – وإن كان لفترة – على انتظام الدورة الشهرية لدى المرأة، كما أن استعمال الحبوب لفترة طويلة - كطوال شهر رمضان - سيسبّب في الغالب ألماً، وقد يسبّب نزيفاً لا تستطيع المرأة إيقافه بسهولة.
ولما كان استخدام هذه الأدوية المانعة للحيض مما يختلف تأثيره من امرأة لأخرى، فقد تتناولها المرأة مرة واحدة وتضر بها، وقد تتناولها أخرى مرات عديدة ولا تضر بها، فالأفضل للمرأة إذا أرادت تأخير الحيض عن وقته، في شهر رمضان أو الحج أو عند الزواج أن تستشير الطبيبة في الحيضة السابقة للشهر الذي تريد تأخير الحيض فيه.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن حكم استعمال دواء لمنع الحيض في رمضان؟ فأجابت: " يجوز أن تستعمل المرأة أدوية في رمضان لمنع الحيض إذا قرر أهل الخبرة الأمناء من الدكاترة ومن في حكمهم إن ذلك لا يضرها، ولا يؤثر على جهاز حملها، وخيرٌ لها أن تكف عن ذلك، وقد جعل الله لها رخصة في الفطر إذا جاء الحيض في رمضان، ورضي الله بذلك ديناً " .
وأخيراً أقول : اتفق الفقهاء على أن الصيام الذي صامته المرأة أثناء ارتفاع الحيض بالعقاقير صحيح، وأنه لا قضاء عليها ، حتى من يقول منهم بتحريم استعمال هذه العقاقير؛ وذلك لأن المرأة يحكم عليها بأنها حائض لوجود دم الحيض، فيزول الحكم إذا زال سببه، فإذا ارتفع هذا الدم بهذه العقاقير، فإنه يحكم عليها بأنها طاهرة لزوال هذا الدم؛ فلا قضاء عليها.
فقه المرأة في رمضان: استعمال أدوية لمنع الحيض من أجل الصوم في رمضان أو غيره .... للدكتور محمد بن هائل المدحجي